الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
[ ص: 287 ] ذكر الآية الحادية والثلاثين: قوله تعالى: ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به هذه الآية مبينة لحكم الخلع ولا تكاد تقع الفرقة بين الزوجين إلا بعد فساد الحال ، ولذلك علق القرآن جوازه مخافة تركهما القيام بالحدود ، وهذا أمر ثابت والآية محكمة عند عامة العلماء .

" إلا أنه قد أخبرنا إسماعيل بن أحمد ، قال: أبنا عمر بن عبيد الله البقال ، قال: أبنا أبو الحسين بن بشران ، قال: أبنا إسحاق بن أحمد الكاذي ، قال: أبنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال: حدثني أبي ، قال: أبنا حماد بن خالد الخياط ، قال: أبنا عقبة بن أبي الصهباء ، قال: سألت [ ص: 288 ] بكر بن عبد الله : " عن رجل سألته امرأته الخلع ؟ ، فقال: لا يحل له أن يأخذ منها شيئا ، قلت له: يقول الله عز وجل: فلا جناح عليهما فيما افتدت به تلك حدود الله الآية ؟ ، قال: نسخت ، قلت: فأين جعلت ؟ قال: في سورة النساء وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا قلت: وهذا قول بعيد من وجهين: أحدهما: أن المفسرين ، قالوا في قوله تعالى: وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج ، نزلت في الرجل يريد أن يفارق امرأته ويكره أن يصل إليها ما فرض لها من المهر ، فلا يزال يتبعها بالأذى حتى ترد عليه ما أعطاها لتخلص منه ، فنهى الله تعالى عن ذلك ، فأما آية الخلع فلا تعلق لها بشيء من ذلك .

[ ص: 289 ] والثاني: أن قوله: فلا تأخذوا منه شيئا إذا كان النشوز من قبله ، وأراد استبدال غيرها ، وقوله: فيما افتدت به إذا كان النشوز من قبلها فلا وجه للنسخ .

وقد ذكر السدي في هذه الآية نسخا من وجه آخر ، فقال: قوله: ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا منسوخ بالاستثناء وهو قوله: إلا أن يخافا .

قلت وهذا من أرذل الأقوال ، لأن الاستثناء إخراج بعض شمله اللفظ وليس بنسخ .

ذكر الآية الثانية والثلاثين: قوله تعالى: والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين [ ص: 290 ] عامة أهل العلم على أن هذا الكلام محكم ، والمقصود منه بيان مدة الرضاع ، ويتعلق بهذه المدة أحكام الرضاع ، وذهب قوم من القراء إلى أنه منسوخ بقوله: فإن أرادا فصالا ، قالوا فنسخ تمام الحولين باتفاقهما على ما دون ذلك وهذا ليس بشيء ، لأن الله تعالى ، قال: لمن أراد أن يتم الرضاعة ، فلما قال: فإن أرادا فصالا ، خير بين الإرادتين فلا تعارض .

[ ص: 291 ] وفي الآية موضع آخر: وهو قوله تعالى: وعلى الوارث مثل ذلك .

اختلفوا في الوارث: فقال بعضهم: هو وارث المولود .

وقال بعضهم: هو وارث الوالد .

وقال بعضهم: المراد بالوارث ، الباقي من والدي الولد بعد وفاة الآخر .

وقيل: المراد بالوارث الصبي نفسه عليه لأمه مثل ما كان على أبيه لها من الكسوة والنفقة .

[ ص: 292 ] وقيل: بل على الوارث أن لا يضار .

واعلم: أن قول من قال: الوارث الصبي والنفقة عليه لا ينافي قول من قال: المراد بالوارث وارث الصبي لأن النفقة إنما تجب على الوارث إذا ثبت إعسار المنفق عليه ، وقال مالك بن أنس : لا يلزم الرجل نفقة أخ ولا ذي قرابة ، ولا ذي رحم منه ، قال: وقول الله عز وجل: وعلى الوارث مثل ذلك منسوخ ولم يبين مالك ما الناسخ ، [ ص: 293 ] قال أبو جعفر النحاس : ويشبه أن يكون الناسخ عنده أنه لما أوجب الله عز وجل للمتوفى عنها زوجها من مال المتوفى ، نفقة حول والسكنى ، ثم نسخ ذلك ورفعه ، نسخ ذلك أيضا عن الوارث .

ذكر الآية الثالثة والثلاثين: قوله تعالى: والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج .

قال المفسرون: كان أهل الجاهلية إذا مات أحدهم مكثت زوجته في بيته حولا ينفق عليها من ميراثه ، فإذا تم الحول خرجت إلى باب بيتها ومعها بعرة فرمت بها كلبا ، وخرجت بذلك من عدتها وكان معنى رميها [ ص: 294 ] بالبعرة: أنها تقول مكثي بعد وفاة زوجي أهون عندي من هذه البعرة ، ثم جاء الإسلام فأقرهم على ما كانوا عليه من مكث الحول بهذه الآية ، ثم نسخ ذلك بالآية المتقدمة في نظم القرآن على هذه الآية .

وهي قوله تعالى: والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا ونسخ الأمر بالوصية لها بما فرض لها من ميراثه وهذا مجموع قول الجماعة .



[ ص: 295 ] " أخبرنا إسماعيل بن أحمد ، قال: أبنا أبو الفضل عمر بن عبيد الله البقال ، قال: أبنا أبو الحسين بن بشران ، قال: أبنا إسحاق بن أحمد الكاذي ، قال: أبنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال: حدثني أبي ، قال: أبنا حجاج ، عن ابن جريج ، عن عطاء الخراساني ، عن ابن عباس رضي الله عنهما " والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج ، فكان للمتوفى زوجها نفقتها وسكناها في الدار سنة ، فنسخها آية الميراث فجعل لهن الربع والثمن مما ترك الزوج وقال أحمد : وحدثنا عبد الصمد ، عن همام ، عن قتادة " متاعا إلى الحول فنسختها يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا ، فنسخت ما كان قبلها من أمر النفقة في الحول ، ونسخت الفريضة الثمن والربع ما كان قبلها من نفقة في الحول قال أحمد : وحدثنا محمد بن جعفر الوركاني ، قال: أبنا أبو الأحوص ، عن سماك ، عن عكرمة " والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم [ ص: 296 ] ، قال: نسختها والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا قال أحمد : وحدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن ابن جريج ، عن عطاء " وصية لأزواجهم ، قال: كانت المرأة في الجاهلية تعطى سكنى سنة من يوم توفي زوجها فنسختها: أربعة أشهر وعشرا " وعن سفيان ، عن حبيب بن أبي ثابت ، قال: سمعت إبراهيم ، قال: هي منسوخة ، قال: أحمد وحدثنا عبد الوهاب ، عن سعيد ، عن قتادة " وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول ، قال: كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها كان لها السكنى والنفقة حولا من ماله ما لم تخرج من بيته ، ثم نسخ ذلك بقوله يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا .

التالي السابق


الخدمات العلمية