الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج ابن أبي شيبة، وأحمد والبخاري ومسلم والنسائي، وابن جرير والطبراني ، وابن مردويه، والبيهقي في "الدلائل" عن سهل بن حنيف أنه قال يوم صفين : اتهموا أنفسكم فلقد رأيتنا يوم الحديبية يعني الصلح الذي كان بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين المشركين ولو نرى قتالا لقاتلنا، فجاء عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله : ألسنا على الحق وهم على الباطل؟ أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؟ قال : بلى، قال : ففيم نعطي الدنية في [ ص: 506 ] ديننا ونرجع، ولما يحكم الله بيننا وبينهم؟ فقال : يا ابن الخطاب : إني رسول الله ولن يضيعني الله أبدا، فرجع متغيظا فلم يصبر حتى جاء أبا بكر فقال : يا أبا بكر : ألسنا على الحق وهم على الباطل؟ قال : بلى، قال : أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؟ قال : بلى، قال : ففيم نعطي الدنية في ديننا قال : يا ابن الخطاب إنه رسول الله ولن يضيعه الله أبدا، فنزلت سورة الفتح فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمر فأقرأه إياها، قال يا رسول الله : أوفتح هو قال : نعم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج النسائي والحاكم وصححه من طريق أبي إدريس عن أبي بن كعب أنه كان يقرأ [إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية، ولو حميتم كما حموا لفسد المسجد الحرام فأنزل الله سكينته على رسوله] فبلغ ذلك عمر فاشتد عليه فبعث إليه فدخل عليه، فدعا ناسا من أصحابه فيهم زيد بن ثابت فقال : من يقرأ منكم سورة الفتح فقرأ زيد على قراءتنا اليوم فغلظ له عمر فقال أبي : أأتكلم قال : تكلم، فقال : لقد علمت أني كنت أدخل على النبي صلى الله عليه وسلم ويقرئني وأنت بالباب، فإن [ ص: 507 ] أحببت أن أقرئ الناس على ما أقرأني أقرأت وإلا لم أقرئ حرفا ما حييت، قال : بل أقرئ الناس .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله : حمية الجاهلية قال : حميت قريش أن يدخل عليهم محمد صلى الله عليه وسلم وقالوا : لا يدخلها علينا أبدا فوضع الله الحمية عن محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن الأجلح قال : كان حمزة بن عبد المطلب رجلا حسن الشعر حسن الهيئة صاحب صيد، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على أبي جهل فولع به وآذاه ورجع حمزة من الصيد وامرأتان تمشيان خلفه فقالت إحداهما لو علم ذا ما صنع بابن أخيه أقصر في مشيته فالتفت إليهما فقال : وما ذاك؟ قالتا : أبو جهل فعل بمحمد كذا وكذا فأخذته الحمية، جاء حتى دخل المسجد وفيه أبو جهل ، فعلا رأسه بقوسه ثم قال : ديني دين محمد إن كنتم صادقين فامنعوني فوثب إليه قريش فقالوا : يا أبا [ ص: 508 ] يعلى! يا أبا يعلى فأنزل الله إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية إلى قوله : وألزمهم كلمة التقوى قال : حمزة بن عبد المطلب .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية