الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " وإذا كان الماء خمس قرب كبار من قرب الحجاز فوقع فيه دم أو أي نجاسة كانت فلم تغير طعمه ولا لونه ولا ريحه لم ينجس وهو بحاله طاهر لأن فيه خمس قرب فصاعدا وهذا فرق ما بين الكثير الذي لا ينجسه إلا ما غيره وبين القليل الذي ينجسه ما لم يغيره فإن وقعت ميتة في بئر فغيرت طعمها أو ريحها أو لونها أخرجت الميتة ونزحت البئر حتى يذهب تغيرها فتطهر بذلك ( قال ) وإذا كان الماء أقل من خمس قرب فخالطته نجاسة ليست بقائمة نجسته فإن صب عليه ماء أو صب على ماء آخر حتى يكون الماءان جميعا خمس قرب فصاعدا فطهرا لم ينجس واحد منهما صاحبه ( قال ) فإن فرقا بعد ذلك لم ينجسا بعد ما طهرا إلا بنجاسة تحدث فيهما " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا صحيح لما ذكره الشافعي حكم الماء الكثير ذكر بعده حكم الماء القليل ، فإذا كان الماء دون القلتين فوقعت فيه نجاسة فقد نجس ، سواء تغير الماء أم لا ، وسواء كانت النجاسة مائعة أم لا ، وإنما يختلف حكم ذلك فيما سنذكره سوى الحكم بنجاسته ، وهو أنه إن تغير فطهارته باجتماع وصفين بالمكاثرة ، وزوال التغير وإن لم يتغير فطهارته بالمكاثرة وحدها ، فلو كانت قلة نجسة ، وقلة أخرى طاهرة فصبت إحدى القلتين في الأخرى صارا معا طاهرين ما لم يكن فيه تغيير سواء صبت الطاهرة على النجسة أو النجسة على الطاهرة : لأن طريقة المكاثرة إزالة النجاسة ، فاستوى الحكم في ورود الطاهر على النجس وورود النجس على الطاهر ، فإن فرقا بعد ذلك ، نظر في حال النجاسة فإن كانت مائعة صارت مستهلكة ، وكان الماءان طاهرين ، وإن كانت النجاسة قائمة ، فإن أخرجت منه قبل تفريقه فهما طاهران وإن فرقا قبل إخراجها منه ، نظر ، فإن كان قد فرقه بالاغتراف منه دفعة كان اغترف منه بناضح احتمل به إحدى القلتين ، فالقلة التي حملت النجاسة فيها نجسة ، والقلة الأخرى طاهرة على مذهب أبي العباس وجمهور أصحابنا ، وعلى مذهب أبي إسحاق نجس ، وإن فرق بأن أمال الإناء الذي فيه القلتان حتى انصب منه في إناء آخر قلة ، وبقي في الأول قلة ، نظر ، فإن خرجت النجاسة حين أمال الإناء في أول جزء من أجزاء الماء كان الإناء الثاني الذي حصلت فيه النجاسة نجسا وكان ما بقي في الأول طاهرا وإن خرجت النجاسة إلى الإناء الثاني بعد أن تقدمه ما أصار به الثاني في الأول - أقل من قلتين كانا جميعا نجسين ، وهكذا لو بقيت النجاسة في القلة الباقية في الإناء الأول كانا جميعا نجسين ، وإذا تأملت تعجيل ذلك وجدته مستمرا فلو كان معه قلة ماء نجسة ، وقلة أخرى نجسة ، فأراق إحديهما في الأخرى ، وليس فيهما تغيير فهما طاهرتان .

                                                                                                                                            [ ص: 343 ] فإن قيل : فكل واحدة من القلتين نجسة والنجاسة إذا اجتمعت مع النجاسة كان أغلظ لحكمها لكثرتها ، فكيف صارت إحدى النجاستين مطهرة للأخرى ، والنجاسة باجتماعها أكثر .

                                                                                                                                            قيل : إنما كانا نجسين مع الافتراق : لأن قلة الماء تضعف عن احتمال النجاسة ، وإذا اجتمعا كثر فقوي على احتمال النجاسة وصارت لكثرة الماء مستهلكة عفي عنها فلو فرقا بعد اجتماعهما ، والنجاسة مائعة كانا طاهرين : لأنه ماء طاهر فلم ينجس بالتفريق .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية