الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فهذا آخر أقسام الناسية ، وهو آخر ما قدمناه من أقسام المستحاضة ، وقد يتعقب ذلك فصول أربع هي تابعة لما تقدم من أحوال المستحاضة :

                                                                                                                                            أحدها : في التلفيق وهو من توابع التمييز .

                                                                                                                                            والثاني : في الانتقال وهو من توابع العادة .

                                                                                                                                            والثالث : في الخلطة وهو من توابع الناسية .

                                                                                                                                            والرابع : في الغفلة وهو ملحق بذات الحيض والطهر . والله أعلم .

                                                                                                                                            الفصل الأول : في التلفيق

                                                                                                                                            وصورته أن ترى المرأة يوما دما ويوما نقاء ، ويوما دما ويوما نقاء ، فلا يخلو حالها من أحد أمرين إما أن يتجاوز ذلك خمسة عشر يوما أو لا يتجاوزها وانقطع عند استكمالها ، فالذي صرح به الشافعي في سائر كتبه أن كل ذلك حيض أيام الدم وأيام النقاء ، وقال في كتاب الحيض ، في مناظرة جرت بينه وبين محمد بن الحسن ما اقتضى أن تكون أيام الدم حيضا ، وأيام النقاء طهرا فخرجه جمهور أصحابنا على قولين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن كل ذلك حيض أيام الدم وأيام النقاء ، وبه قال أبو العباس بن سريج لأمرين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن أقل طهر خمسة عشر يوما [ فلا يجوز ] .

                                                                                                                                            والثاني : أن عادة النساء في الحيض مستمرة بأن يجري الدم زمانا ويرقأ زمانا ، وليس من عادته أن يستديم جريانه إلى انقضاء مدته ، فلما كان زمان إمساكه حيضا : لكونه بين دمين كان زمان النقاء حيضا لحصوله بين دمين ، فعلى هذا تكون الخمسة عشر كلها حيضا ، يحرم عليها في أيام النقاء ما يحرم عليها في أيام الدم .

                                                                                                                                            [ ص: 425 ] والقول الثاني : أن أيام الدم حيض ، وأيام النقاء طهر ، وبه قال أبو إسحاق ، لأمرين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه لما كان الدم دالا على الحيض ، وجب أن يكون النقاء الأعلى الطهر .

                                                                                                                                            والثاني : لو جاز أن يجعل النقاء حيضا لما تعقبه من الحيض لجاز أن يجعل الحيض طهرا ، لما تعقبه من الطهر فعلى هذا تلفق أيام الدم فتكون حيضا تجتنب فيه ما تجتنبه الحائض ، وتلفق أيام النقاء فتكون طهرا تستبيح ما تستبيحه الطاهر ، ويكون حيضها ثمانية أيام هي الأفراد من أيامها : الأول والثالث والخامس والسابع والتاسع والحادي عشر والثالث عشر والخامس عشر ، ويكون طهرها سبعة أيام هي الأزواج من أيامها : الثاني والرابع والسادس والثامن والعاشر والثاني عشر والرابع عشر ثم على كلا القولين إن انقطع دمها عند تقضي الدم الأول اغتسلت وصلت وصامت لجواز أن يكون طهرا تاما ، فإذا رأت الدم من اليوم الثالث أمسكت ، فإذا انقطع عند تقضيه ودخول الرابع اغتسلت وصلت لجواز أن يستديم الطهر ثم تفعل هكذا في جميع الأيام النقاء إلا أن يصير ذلك عادة لها في كل شهر فلا يلزمها أن تفعل ذلك في أيام النقاء إن قلنا : إنها حيض ، ويلزمها ذلك إن قلنا : إنها طهر ، وهكذا لو رأت يومين دما ، ويومين نقاء ، ولم تتجاوز خمسة عشر يوما : لأنها كانت في الخامس عشر طاهرا ، فإن لفقنا حيضها كان حيضها أيام الدم ، وهي ثمانية وهكذا لو رأت ثلاثة أيام دما وثلاثة أيام نقاء ، فإن لم نلفق كان حيضها خمسة عشر يوما ، وإن لفقنا كان حيضها أيام الدم وهي تسعة ، وهكذا لو رأت يوما دما وثلاثة أيام نقاء ، أو رأت ثلاثة أيام دما ويوما نقاء فهو على ما ذكرنا من القولين في التلفيق .

                                                                                                                                            والحال الثانية : أن يتجاوز دمها خمسة عشر يوما ، فقد حكي عن عبد الرحمن ابن بنت الشافعي ، وكان مقدما في الحيض والمناسك أن هذه غير مستحاضة حكمها كحكم التي انقطع دمها الخمسة عشر يوما : لأنها من السادس عشر طاهر طهرا لم يتصل بدم الحيض ، ومذهب الشافعي وما عليه جمهور أصحابه أن هذه مستحاضة : لأنها بعد أيام الحيض على صفتها من أيام الحيض ، وهذا حال المستحاضة ، وإذا ثبت أنها مستحاضة فلها ثلاثة أحوال . حال تكون مميزة ، وحال تكون معتادة ، وحال لا يكون لها تمييز ولا عادة ، فإن كانت مميزة ردت إلى تمييزها ، فإن قالت : رأيت خمسة أيام يتخللها النقاء دما أسود ، وباقي ذلك دما أصفر ، ردت إلى الخمس ، فإن لم نلفق كانت الخمس كلها حيضا ، وإن لفقنا كان التلفيق من الخمس فيكون حيضها ثلاثة أيام الأول والثالث والخامس ، وإن لم يكن لها تمييزا لكون دمها لونا واحدا وكانت لها عادة في الحيض مستمرة ، فوجب ردها إلى عادتها ، فإن كانت عادتها من كل شهر خمسا ردت إلى الخمس ، فإن لم نلفق كانت الخمس كلها حيضا ، وإن لفقنا ، فمن أين يكون التلفيق ؟ على قولين : [ ص: 426 ] أحدهما : من أيام العادة ، وهي الخمس وبه قال أبو إسحاق : لأنها أخص فيكون حيضها ثلاثة أيام وهي الأول والثالث والخامس .

                                                                                                                                            والقول الثاني : من أيام الحيض وهي الخمس عشرة لأنها أمس ، فيكون حيضها خمسة من تسعة ، وهي الأول والثالث والخامس والسابع والتاسع ، فلو كانت عادتها عشرا فإن لم نلفق كان حيضها تسعة أيام : لأنها كانت في العاشر في طهر لم تتصل بدم الحيض وإن لفقنا فمن أين يكون التلفيق ؟ على القولين :

                                                                                                                                            أحدهما : من أيام العادة وهي العشر ، فيكون حيضها خمسة أيام ، تسعة .

                                                                                                                                            والقول الثاني : من أيام الحيض ، وهي الخمس عشرة فيكون حيضها ثمانية أيام : لأنه لا يلفق من الخمسة عشر أكثر منها وتصير بمنزلة معتادة فحفظت عادتها ، وإن لم يكن لها تمييز ولا عادة وكانت مبتدأة ففيها قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : ترد إلى يوم وليلة ، وهو أقل الحيض فعلى هذا يسقط حكم التلفيق .

                                                                                                                                            والقول الثاني : ترد إلى ست أو سبع فإن ردت إلى الست ، ولم نلفق كان حيضها خمسا : لكونها في السادس طاهرا وإن لفقنا من الست كان حيضها ثلاثا ، وإن لفقنا من أيام الحيض كان حيضها ستا من إحدى عشرة ، ولو ردت إلى السبع ، فإن لم نلفق كان حيضها سبعا [ و إن لفقنا من السبعة كان حيضها أربعة ] وإن لفقنا من أيام الحيض كان حيضها سبعا من ثلاث عشرة .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية