الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
212 - أنا سليمان بن المغيرة قال : سمعت الجريري ، يحدث ، عن أبي نضرة ، عن أسير بن جابر قال : كنا نجلس بالكوفة إلى محدث لنا ، فإذا تفرق الناس بقي رجال ، فيهم رجل لا أسمع أحدا يتكلم كلامه ، قال : فأحببته ووقع حبه في قلبي ، قال : فبينا كذلك إذ فقدته ، فقلت لأصحابي : ذلك الرجل كذا وكذا ، الذي كان يجالسنا ، هل يعرفه أحد [ ص: 60 ] منكم ؟ فقال رجل : نعم ، ذلك أويس القرني ، قلت : هل تهدي إلى منزله ؟ قال : نعم ، فانطلقت معه ، حتى ضربت عليه حجرته قال : فخرج ، فقلت له : يا أخي ، ما منعك أن تأتينا ؟ قال : العري ، لم يكن لي شيء آتيكم فيه قال : وعلي برد ، فقلت له : البس هذا البرد ، فقال : لا تفعل ، فإني ، إن لبست هذا البرد استهزأ بي الناس وآذوني ، فلم أزل به حتى لبسه ، وخرج عليهم ، فقالوا : من خادع عن برده هذا ؟ فجاء فوضعه قال : فأتيتهم ، فقلت : ما تريدون إلى هذا الرجل ؟ قد آذيتموه ، الرجل يكتسي مرة ، ويعرى مرة قال : وأخذتهم بلساني أخذا شديدا قال : وثم رجل من أصحابه ، فهو الذي يسخر به ، فوفد أهل الكوفة إلى عمر ، ووفد ذلك الرجل فيهم ، فقال عمر : أههنا أحد من القرنيين ، فجاء ذلك الرجل ، فقال عمر : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا : " إنه يقدم عليكم رجل من أهل اليمن يقال له أويس ، لا يدع باليمن غير أم له ، قد كان به بياض فدعا الله فأذهبه عنه إلا موضع الدينار ، أو قال : مثل موضع الدرهم ، فمن لقيه منكم ، فمروه فليستغفر لكم " قال : فقدم علينا ههنا ، فقلت : من أنت ؟ قال : أنا أويس قال : من تركت باليمن ؟ قال : أما لي ، فقلت : هل كان بك بياض ؟ فدعوت الله فأذهبه عنك ، إلا مثل موضع الدينار ، أو مثل موضع الدرهم ؟ قال : نعم ، قلت : استغفر لي قال : يا أمير المؤمنين ، أيستغفر مثلي لمثلك ؟ قال : فاستغفر له ، قال : فقلت : أنت أخي فلا تفارقني قال : فانملس مني ، فأنبئت أنه قدم عليكم الكوفة قال : فجعل يحقره عما يقول فيه عمر ، فجعل يقول : ما ذلك فينا ، ولا نعرف هذا ؟ [ ص: 61 ] قال عمر : بلى ، إنه رجل كذا ، جعل أي يصف من أمره ، فقال ذلك الرجل : عندنا رجل يسخر به ، يقال له أويس ، قال له : أدرك قال : وما أراك تدرك ، فأقبل الرجل حتى دخل عليه ، قبل أن يأتي أهله ، فقال أويس : ما كانت هذه عادتك ، فما بالك ؟ قال : أنشدك الله لقيني عمر فقال : كذا وكذا ، فاستغفر لي قال : لا أستغفر لك حتى تجعل عليك أنك لا تسخر بي ، ولا تذكر ما سمعت من عمر إلى أحد ، قال : لك ذلك ، فاستغفر له ، قال أسير : فما لبثنا حتى فشا حديثه في الكوفة قال : فأتيته ، فقلت : يا أخي ، ألا أراك أنت العجب وكنا لا نشعر به قال : ما كان في هذا ما أتبلغ فيه إلى الناس ، وما يجزى كل عبد إلا بعمله ، قال : فلما فشا الحديث قال : هرب فذهب .

التالي السابق


الخدمات العلمية