الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        صفحة جزء
                                        وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، قال: حدثنا أحمد بن عبد الجبار، قال: حدثنا يونس بن بكير، عن [ ص: 467 ] ابن إسحاق قال: فلما أيقنت قريش أن محمدا صلى الله عليه وسلم قد بويع، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان بمكة من أصحابه أن يلحقوا بإخوانهم بالمدينة تآمروا فيما بينهم، فقالوا: الآن فأجمعوا في أمر محمد صلى الله عليه وسلم فوالله لكأنه قد كر عليكم بالرجال فأثبتوه أو اقتلوه أو أخرجوه، فاجتمعوا له في دار الندوة ليقتلوه، فلما دخلوا الدار اعترضهم الشيطان في صورة رجل جميل في بت له والبت: الكساء، فقال: أدخل، فقالوا: من أنت؟ قال: أنا رجل من أهل نجد سمع بالذي اجتمعتم له، فأراد أن يحضره معكم، فعسى أن لا يعدمكم منه رأي ونصح، فقالوا: أجل فادخل.

                                        فلما دخل قال بعضهم لبعض: قد كان من الأمر ما قد علمتم، فأجمعوا في هذا الرجل رأيا واحدا، وكان ممن اجتمع له في دار الندوة: شيبة وعتبة ابنا ربيعة، وأبو جهل بن هشام، والنضر بن الحارث، فقال قائل منهم: أرى أن تحبسوه وتربصوا به ريب المنون حتى يهلك كما هلك من كان قبله من الشعراء: زهير بن أبي سلمى، والنابغة، وغيرهما.

                                        فقال النجدي: والله، ما هذا لكم برأي، والله لئن فعلتم ليخرج رأيه وحديثه حيث حبستموه إلى من وراءه من أصحابه، فأوشك أن ينتزعوه من أيديكم، ثم يغلبوكم على ما في أيديكم من أمركم، فقال قائل منهم: بل نخرجه فننفيه من بلادنا، فإذا غيب عنا وجهه وحديثه فوالله ما نبالي أين وقع من البلاد، ولئن كان أجمعنا بعد ذلك أمرنا وأصلحنا ذات بيننا قال النجدي: لا والله ما هذا لكم برأي، أما رأيتم حلاوة منطقه وحسن حديثه وغلبته على من يلقاه دون من خالفه، والله لكأني به إن فعلتم ذلك قد دخل على قبيلة من قبائل [ ص: 468 ] العرب، فأصفقت معه على رأيه، ثم سار بهم إليكم حتى يطأكم بهم، فلا والله ما هذا لكم برأي.

                                        قال أبو جهل بن هشام: والله إن لي فيه لرأيا ما أراكم وقعتم عليه قالوا: وما هو؟ قال: أرى أن تأخذوا من كل قبيلة من قريش غلاما نهدا جلدا نسيبا وسيطا، ثم تعطوهم شفارا صارمة , ثم يجتمعوا فيضربوه ضربة رجل واحد، فإذا قتلتموه تفرق دمه في القبائل، فلم تدر عبد مناف بعد ذلك ما تصنع، ولم يقووا على حرب قومهم، فإنما أقصرهم عند ذلك أن يأخذوا العقل فتدونه لهم.

                                        قال النجدي: لله در الفتى هذا الرأي وإلا فلا شيء.

                                        فتفرقوا على ذلك واجتمعوا له، وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر، وأمر أن لا ينام على فراشه تلك الليلة، فلم يبت رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث كان يبيت، وبيت عليا في مضجعه.


                                        وفيما ذكر أبو عبد الله الحافظ أن محمد بن إسماعيل المقرئ، حدثه، قال: حدثنا محمد بن إسحاق بن إبراهيم، قال: حدثنا سعيد بن يحيى بن سعيد أبو عثمان قال: حدثني أبي، قال: حدثنا محمد بن إسحاق، عن [ ص: 469 ] عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: وحدثني الكلبي عن زاذان مولى أم هانئ، عن عبد الله بن عباس " أن نفرا من قريش من أشراف كل قبيلة اجتمعوا، فذكر معنى هذه القصة إلى أن قال: فأتى جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمره أن لا يبيت في مضجعه الذي كان يبيت فيه وأخبره بمكر القوم، فلم يبت رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته تلك الليلة، وأذن الله عند ذلك بالخروج، وأنزل عليه بعد قدومه المدينة في الأنفال يذكر نعمته عليه وبلاءه عنده: " وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ".

                                        وأنزل في قوله: تربصوا حتى يهلك كما هلك من كان قبله من الشعراء أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون ".


                                        التالي السابق


                                        الخدمات العلمية