الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        صفحة جزء
                                        وأخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان، ببغداد قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن عتاب العبدي، قال: حدثنا القاسم بن عبد الله بن المغيرة قال: أخبرنا إسماعيل بن أبي أويس قال: حدثني إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة، عن عمه موسى بن عقبة، قال: حدثنا ابن شهاب قال: حدثني عبد الرحمن بن مالك بن جعشم المدلجي، أن أباه مالكا أخبره أن أخاه سراقة بن جعشم أخبره أنه لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة مهاجرا إلى المدينة جعلت قريش لمن رده عليهم مائة ناقة قال: فبينما أنا جالس في نادي قومي إذ جاء رجل منا، فقال: والله لقد رأيت ركبا ثلاثة مروا علي آنفا، إني لأظنه محمدا قال: فأومأت إليه بعيني: أن اسكت، وقلت: إنما هم بنو فلان، يبتغون ضالة [ ص: 488 ] لهم قال: لعله، ثم سكت.

                                        قال: فمكثت قليلا، ثم قمت فدخلت بيتي وأمرت بفرسي، فقيد إلى بطن الوادي، وأخرجت سلاحي من وراء حجراتي، ثم أخذت قداحي أستقسم بها، ثم لبست لأمتي، ثم أخرجت قداحي فاستقسمت بها، فخرج السهم الذي أكره: لا تضره، وكنت أرجو أن أرده فآخذ المائة ناقة.

                                        قال: فركبت على أثره، فبينا فرسي يسير بي عثر، فسقطت عنه قال: فأخرجت قداحي فاستقسمت بها فخرج السهم الذي أكره: لا تضره، فأبيت إلا أن أتبعه، فركبت، فلما بدا لي القوم فنظرت إليهم عثر بي فرسي فذهبت يداه في الأرض، فسقطت عنه، فاستخرج يديه وأتبعهما دخان مثل الغبار، فعلمت أنه قد منع مني، وأنه ظاهر، فناديتهم، فقلت: أنظروني فوالله لا آذيتكم، ولا يأتيكم مني شيء تكرهونه.

                                        فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قل له: ماذا تبتغي؟ " قال: قلت: اكتب لي كتابا يكون بيني وبينك آية قال: اكتب له يا أبا بكر قال: فكتب لي , ثم ألقاه إلي، فرجعت، فسكت، فلم أذكر شيئا مما كان حتى إذا فتح الله عز وجل مكة، وفرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل خيبر، خرجت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لألقاه ومعي الكتاب الذي كتب لي، فبينما أنا عامد له دخلت بين ظهري كتيبة من كتائب الأنصار قال: فطفقوا يقرعونني بالرماح، ويقولون: إليك، إليك حتى دنوت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على ناقته أنظر إلى ساقه في غرزه، كأنها جمارة، فرفعت يدي بالكتاب، فقلت: يا رسول الله هذا كتابك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يوم وفاء وبر، ادنه" قال: فأسلمت، ثم ذكرت شيئا أسل عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن شهاب: إنما سأله عن الضالة، وشيء فعله في وجهه الذي كان فيه فما ذكرت شيئا إلا أني قد قلت: يا رسول الله: الضالة تغشى حياضي قد [ ص: 489 ] ملأتها لإبلي، هل لي من أجر إن سقيتها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم , في كل كبد حرى" قال: وانصرفت فسقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقتي.


                                        التالي السابق


                                        الخدمات العلمية