الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        صفحة جزء
                                        [ ص: 526 ] باب ما جاء في دخول عبد الله بن سلام رضي الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة ووجوده إياه الرسول النبي الأمي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل، واعترافه بذلك وإسلامه وكذلك كل من أنصفه من اليهود الذين دخلوا عليه ووقفوا على صفته دون من حرم التوفيق منهم

                                        أخبرنا أبو الحسين بن بشران العدل، ببغداد قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد المصري، قال: حدثنا أحمد بن داود المكي، قال: حدثنا أبو معمر عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج، قال: حدثنا عبد الوارث، قال: حدثنا عبد العزيز بن صهيب، عن أنس بن مالك قال: أقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وهو مردف أبا بكر، وأبو بكر شيخ يعرف، ورسول الله صلى الله عليه وسلم شاب لا يعرف - يريد دخول الشيب في لحيته دونه لا السن - قال أنس: فيلقى الرجل أبا بكر رضي الله عنه فيقول: يا أبا بكر من هذا الرجل الذي بين يديك؟ فيقول: هذا الرجل يهديني السبيل، فيحسب الحاسب أنه إنما يهديه الطريق وإنما يعني سبيل الخير.

                                        قال: فالتفت أبو بكر فإذا هو بفارس قد لحقهم، فقال: يا نبي الله هذا فارس قد لحق بنا، فالتفت نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال: "اللهم اصرعه" ، فصرعه فرسه , [ ص: 527 ] ثم قامت تحمحم، فقال: يا نبي الله، مرني بما شئت قال: "فقف مكانك، لا تتركن أحدا يلحق بنا" قال: فكان أول النهار جاهدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وآخر النهار مسلحة له، قال: فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم جانب الحرة، وأرسل إلى الأنصار فجاؤوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلموا عليهما، فقالوا: اركبا آمنين مطاعين، قال: فركب نبي الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وحفوا حولهما بالسلاح، قال: فقيل في المدينة: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، جاء رسول الله، فاستشرفوا النبي صلى الله عليه وسلم ينظرون ويقولون: جاء نبي الله جاء نبي الله، وأقبل يسير حتى نزل إلى جانب دار أبي أيوب.

                                        قال: فإنه ليحدث أهله إذ سمع به عبد الله بن سلام وهو في نخل لأهله يخترف لهم منه، فعجل أن يضع التي يخترف فيها، فجاء وهي معه، فسمع من نبي الله صلى الله عليه وسلم ثم رجع إلى أهله، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: "أي بيوت أهلنا أقرب؟" قال: فقال أبو أيوب: أنا يا نبي الله: هذه داري، وهذا بابي، فقال: "اذهب فهيئ لنا مقيلا" ، فذهب فهيأ لهما مقيلا، ثم جاء فقال: يا نبي الله قد هيأت لكما مقيلا، قوما على بركة الله فقيلا.

                                        قال: فلما جاء نبي الله صلى الله عليه وسلم جاء عبد الله بن سلام - رضي الله عنه - فقال: أشهد أنك رسول الله حقا، وأنك جئت بحق، ولقد علمت يهود أني سيدهم وابن سيدهم، وأعلمهم وابن أعلمهم، فادعهم فسلهم عني قبل أن يعلموا أني قد أسلمت، فإنهم إن يعلموا أني قد أسلمت قالوا في ما ليس في، فأرسل [ ص: 528 ] نبي الله صلى الله عليه وسلم إليهم، فدخلوا عليه، فقال لهم نبي الله صلى الله عليه وسلم: "يا معشر يهود، ويلكم اتقوا الله؛ فوالله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أني رسول الله حقا، وأني جئتكم بحق، أسلموا" .

                                        قالوا: ما نعلمه، فأعاد ذلك عليهم ثلاثا، ثم قال: فأي رجل فيكم عبد الله بن سلام، قالوا: ذاك سيدنا وابن سيدنا، وأعلمنا وابن أعلمنا، قال: أفرأيتم إن أسلم؟ " قالوا: حاشا لله، ما كان ليسلم، قال: يا ابن سلام اخرج عليهم، فخرج عليهم، فقال: يا معشر يهود، ويلكم اتقوا الله، فوالله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أنه رسول الله حقا، وأنه جاء بحق، فقالوا: كذبت، فأخرجهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
                                        قلت: ورواه عبد الصمد بن عبد الوارث عن أبيه، ومن ذلك الوجه أخرجه البخاري في الصحيح، أخبرناه أبو عمرو الأديب قال: أنبأنا أبو بكر الإسماعيلي قال: حدثني أبو سعيد إسماعيل بن سختويه بن إدريس الجرجاني، وكان صدوقا أمينا، قال: حدثنا الحسن بن عيسى البسطامي، قال: حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث قال: حدثني أبي قال: حدثني عبد العزيز بن صهيب، قال: حدثنا أنس بن مالك، فذكره بطوله.

                                        التالي السابق


                                        الخدمات العلمية