الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        صفحة جزء
                                        أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو، قالا: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، قال: حدثنا أحمد بن عبد الجبار، قال: حدثنا يونس بن بكير، عن ابن إسحاق قال: حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد [ ص: 534 ] بن ثابت، عن سعيد بن جبير وعكرمة، عن ابن عباس قال: لما أسلم عبد الله بن سلام وثعلبة بن سعية وأسيد بن سعية وأسد بن عبيد، ومن أسلم من يهود معهم، فآمنوا وصدقوا ورغبوا في الإسلام، ونتجوا فيه، قالت أحبار يهود، أهل الكفر منهم: ما آمن بمحمد ولا اتبعه إلا شرارنا، ولو كانوا من أخيارنا ما تركوا دين آبائهم، وذهبوا إلى غيره.

                                        فأنزل الله عز وجل في ذلك من قولهم: " ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون " - إلى قوله - " وأولئك من الصالحين ، وكان رفاعة بن زيد بن التابوت من عظماء يهود إذا كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم لوى لسانه، وقال: أرعنا سمعك يا محمد حتى نفهمك، ثم طعن في الإسلام وعابه، فأنزل الله عز وجل فيه ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يشترون الضلالة ويريدون أن تضلوا السبيل - إلى قوله - فلا يؤمنون إلا قليلا .

                                        وكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤساء من أحبار يهود، منهم: عبد الله بن صورى الأعور وكعب بن أسد فقال لهم: "يا معشر يهود، اتقوا الله وأسلموا فوالله إنكم لتعلمون أن الذي جئتكم به الحق" ، قالوا: ما نعرف ذلك يا محمد، وجحدوا ما عرفوا، وأصروا على الكفر، فأنزل الله عز وجل فيهم يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها .

                                        الآية [ ص: 535 ] .

                                        قال سكين وعدي بن يزيد: يا محمد ما نعلم الله أنزل على بشر من شيء من بعد موسى، فأنزل الله في ذلك من قولهم " إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده " إلى آخر الآية.

                                        ودخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة منهم، فقال لهم: "أما والله إنكم لتعلمون أني رسول الله" .

                                        قالوا: ما نعلم ذلك، فأنزل الله " لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون ".


                                        وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نعمان بن أضا، وبحري بن عمرو، وشأس بن عدي فكلموه وكلمهم، ودعاهم إلى الله عز وجل، وحذرهم نقمته، قالوا: ما تخوفنا يا محمد، نحن والله أبناء الله وأحباؤه؛ كقول النصارى، فأنزل الله عز وجل فيهم وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه إلى آخر الآية، فقال لهم معاذ بن جبل وسعد بن عبادة، وعقبة بن وهب: يا معشر يهود اتقوا الله، فوالله إنكم لتعلمون أنه رسول الله، ولقد كنتم تذكرونه لنا قبل مبعثه وتصفونه لنا بصفته، فقال رافع بن حريملة ووهب بن يهوذا: ما قلنا هذا لكم، ولا أنزل الله من كتاب بعد موسى، ولا أرسل بشيرا ولا نذيرا من بعده، فأنزل الله عز وجل في قولهما يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل - إلى قوله - والله على كل شيء قدير , ثم قص عليهم من خبر موسى وما لقي منهم وانتقاضهم عليه من أمر الله [ ص: 536 ] حتى تاهوا في الأرض أربعين سنة عقوبة.

                                        وقال كعب بن أسيد، وابن صلوبا، وعبد الله بن صورى وشأس بن قيس بعضهم لبعض: اذهبوا بنا إلى محمد لعلنا نفتنه عن دينه فإنما هو بشر، فأتوه فقالوا: يا محمد، إنك قد عرفت أنا أحبار يهود وأشرافهم وسادتهم، وإنا إن اتبعناك اتبعك يهود ولم يخالفونا، وإن بيننا وبين بعض قومنا خصومة فنحاكمهم إليك فتقضي لنا عليهم ونؤمن بك ونصدقك، فأبى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل فيهم وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك إلى قوله - يوقنون .


                                        التالي السابق


                                        الخدمات العلمية