الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                              صفحة جزء
                                                              4564 6 - باب في دية الذمي

                                                              543 \ 4416 - عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : دية المعاهد، نصف دية الحر .

                                                              وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه . وقال الترمذي: حسن، ولفظه: دية عقل الكافر، نصف دية عقل المؤمن ، ولفظ النسائي نحوه.

                                                              ولفظ ابن ماجه: قضى أن عقل أهل الكتابين نصف عقل المسلمين، وهم اليهود والنصارى.

                                                              [ ص: 149 ]

                                                              التالي السابق


                                                              [ ص: 149 ] قال ابن القيم رحمه الله: هذا الحديث صحيح إلى عمرو بن شعيب، والجمهور يحتجون به، وقد احتج به الشافعي في غير موضع، واحتج به الأئمة كلهم في الديات.

                                                              قال الشافعي: قضى عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، في دية اليهودي والنصراني بثلث دية المسلم، وقضى عمر في دية المجوسي بثمانمائة درهم، ولم نعلم أن أحدا قال في دياتهم أقل من هذا، وقد قيل: إن دياتهم أكثر من هذا; فألزمنا قاتل كل واحد من هؤلاء، الأقل مما أجمع عليه.

                                                              قال البيهقي: حديث عمرو بن شعيب قد رواه حسين المعلم، عن عمرو، عن أبيه، عن جده، قال : كانت قيمة الدية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانمائة دينار ثمانية آلاف درهم، ودية أهل الكتاب يومئذ، النصف من دية المسلمين .

                                                              قال: فكان ذلك حتى استخلف عمر فذكر خطبته في رفع الدية، حتى غلت الإبل، قال: " وترك دية أهل الذمة لم يرفعها فيما رفع من الدية " .

                                                              قال: فسببه - والله أعلم- أن يكون على قوله : " على النصف من دية المسلمين " ، راجعا إلى ثمانية آلاف درهم، فتكون ديتهم في روايته في عهد النبي صلى الله عليه وسلم أربعة آلاف درهم، ثم لم يرفعها عمر فيما رفع من الدية، فكأنه علم [ ص: 150 ] أنها من أهل الكتاب توقيف، وفي أهل الإسلام تقويم.

                                                              قال: والذي يؤكد ما قلنا: حديث جعفر بن عون، عن ابن جريج، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده : أن النبي صلى الله عليه وسلم فرض على كل مسلم، قتل رجلا من أهل الكتاب أربعة آلاف .

                                                              وليس في شيء من هذا، ما يوجب ترك القول بحديث عمرو بن شعيب.

                                                              أما المأخذ الأول، وهو الأخذ بأقل ما قيل، فالشافعي رحمه الله كثيرا ما يعتمده، لأنه هو المجمع عليه، ولكن إنما يكون دليلا، عند انتفاء ما هو أولى منه، وهنا النص أولى بالاتباع.

                                                              وأما المأخذ الثاني فضعيف جدا، فإن حديث ابن جريج وحسين المعلم وغيرهما، عن عمرو: صريحة في التنصيف، فأحدهما قال : " نصف دية المسلم " ، والآخر قال: " أربعة آلاف " مع قوله : " كانت دية المسلم ثمانية آلاف "; فالروايتان صريحتان في أن تنصيفها توقيف وسنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف يترك ذلك باجتهاد عمر رضي الله عنه في رفع دية المسلم؟.

                                                              ثم إن عمر لم يرفع الدية في القدر، وإنما رفع قيمة الإبل لما غلت، فهو رضي الله عنه رأى أن الإبل هي الأصل في الدية، فلما غلت ارتفعت قيمتها، فزاد مقدار الدية من الورق، زيادة تقويم، لا زيادة قدر في أصل الدية.

                                                              [ ص: 151 ] ومعلوم أن هذا لا يبطل تنصيف دية الكافر، على دية المسلم، بل أقرها أربعة آلاف، كما كانت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت الأربعة آلاف حينئذ هي نصف الدية.

                                                              وقوله: " علم أنها في أهل الكتاب توقيف "، فهو توقيف تنصيف، كما صرحت به الرواية، فعمر أداه اجتهاده إلى ترك الأربعة آلاف كما كانت، فصارت ثلثا برفعه دية المسلم، لا بالنص والتوقيف، وهذا ظاهر جدا، والحجة إنما هي في النص.

                                                              واختلف الفقهاء في هذه المسألة، فقال الشافعي: دية الكتابي على الثلث من دية المسلم في الخطأ والعمد.

                                                              وقال أبو حنيفة: ديته مثل دية المسلم في العمد والخطأ.


                                                              وقال مالك: ديته نصف دية المسلم، في العمد [ق231] والخطأ.


                                                              وقال أحمد: إن قتله عمدا، فديته مثل دية المسلم، وإن قتله خطأ فعنه فيه روايتان، إحداهما: أنها النصف، -وهي الرواية الصحيحة في مذهبه-، والثانية: أنها الثلث،
                                                              وإن قتله من هو على دينه عمدا، فعنه فيه أيضا روايتان، إحداهما: أنها نصف دية المسلم، والثانية: ثلثها.

                                                              [ ص: 152 ] وأما حديث أبي سعد البقال، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم دية العامريين دية الحر المسلم وكان لهما عهد ، فقال الشافعي: لا يثبت مثله، وقال البيهقي: ينفرد به أبو سعد سعيد بن المرزباني البقال، وأهل العلم لا يحتجون بحديثه.

                                                              وأما حديث أبي كرز الفهري، عن نافع، عن ابن عمر : أن النبي صلى الله عليه وسلم ودى ذميا دية مسلم .

                                                              فقال الدارقطني والبيهقي: أبو كرز هذا متروك الحديث، لم يروه، عن نافع غيره.




                                                              الخدمات العلمية