الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                              صفحة جزء
                                                              2243 186 \ 2150 - وعن الضحاك بن فيروز عن أبيه رضي الله عنهما قال : قلت : يا رسول الله، إني أسلمت وتحتي أختان؟ قال : طلق أيتهما شئت .

                                                              وأخرجه الترمذي وابن ماجه ، وقال الترمذي: حديث حسن.

                                                              وفي لفظ الترمذي: اختر أيتهما شئت ، ولفظ ابن ماجه: "طلق " كما ذكره أبو داود.

                                                              التالي السابق




                                                              قال ابن القيم رحمه الله: هذا الحديث يرويه أبو وهب الجيشاني، عن الضحاك بن فيروز، عن أبيه. قال البخاري: في إسناد هذا الحديث نظر. ووجه قوله: أن أبا وهب والضحاك مجهول حالهما، وفيه يحيى ابن أيوب، ضعيف.

                                                              وقوله: طلق أيتهما شئت دليل على أنه إذا طلق واحدة لم يكن اختيارا [ ص: 557 ] لها كما قال أصحابنا وأصحاب الشافعي، قالوا: لأن الطلاق إنما يكون للزوجة لا للأجنبية، فإذا طلقها كان دليلا على استبقاء نكاحها، وهذا ضعيف جدا، فإن طلاقه لها إنما هو رغبة عنها، وقطع لنكاحها، فكيف يكون اختيارا؟! وهو لو قال: طلقت هذه وأمسكت أو اخترت هذه: جعلتم التي اختار إمساكها مفارقة والتي اختار طلاقها مختارة! وهذا معلوم أنه ضد مقصوده.

                                                              وأقصى ما في الباب أنه استعمل لفظ الطلاق في مفارقتها، والنبي صلى الله عليه وسلم قال له: فارق سائرهن ، والفراق أيضا من صرائح الطلاق عندكم، فإذا قال: فارقت هذه، كان اختيارا لها!

                                                              وهذا أحد الوجهين لهم. وإنما يكون مفارقا لها إذا قال: فسخت نكاح هؤلاء، أو اخترت هؤلاء، ونحوه، وصاحب الشرع قد أمره بالفراق والطلاق، فإذا أتى باللفظ الذي أمره به، كان ذلك فراقا لا اختيارا.

                                                              وأما قولهم: إن الطلاق لا يكون في زوجة، قلنا: هذا ينتقض بالفسخ، وإنكم قد قلتم: لو فسخ نكاح إحداهن كان اختيارا للباقية، ومعلوم أن الفسخ لا يكون إلا في زوجة، فما هو جوابكم في الفسخ هو الجواب في الطلاق.

                                                              وأيضا، فالطلاق جعل عبارة عن الفسخ، وإخراج المطلقة، واستبقاء الأخرى؛ فكأنه قال: أرسلت هذه وسيبتها ونحوه، وأمسكت هذه.

                                                              [ ص: 558 ] وأيضا، فإن النكاح لم تزل أحكامه كلها بالإسلام، ولهذا قلتم: إن عدة المفارقات من حين الاختيار، لا من حين الإسلام على الصحيح، وعللتم ذلك [بأنهن] إنما بن منه بالاختيار لا بالإسلام، فالطلاق أثر في قطع أحكام النكاح وإزالتها.

                                                              وأيضا، فإن العبرة بالقصد والنية، وهو لم يرد قط بقوله " طلقت هذه " اختيارها، بل هذا قلب للحقائق !!

                                                              وأيضا، فإن لفظ الطلاق لم يوضع للاختيار لغة ولا شرعا ولا عرفا، ولا هو اصطلاح خاص له يريده بكلامه، فحمله على الاختيار ممتنع.




                                                              الخدمات العلمية