الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                              صفحة جزء
                                                              4801 603 \ 4633 - عن حارثة بن وهب رضي الله عنه، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يدخل الجنة الجواظ ولا الجعظري قال : والجواظ : الغليظ الفظ .

                                                              وأخرجه البخاري ومسلم بنحوه أتم منه، وليس في حديثهما: "الجعظري".

                                                              وقيل: "الجواظ" الكثير اللحم المختال في مشيته، وقيل: الجموع المنوع، وقيل: القصير البطن، وقيل: الجافي القلب، وقيل: الفاجر، وقيل: الأكول. و"الجعظري": الفظ الغليظ المتكبر، وقيل: هو الذي لا يصدع رأسه، وقيل: هو [ ص: 351 ] الذي يتمدح وينتفخ بما ليس عنده، وفيه قصر.

                                                              التالي السابق




                                                              قال ابن القيم رحمه الله: [وفي "صحيح مسلم " عن عبد الله بن عمرو قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشا ولا متفحشا، وكان يقول: إن من خياركم أحاسنكم أخلاقا . ورواه البخاري].

                                                              وفي "صحيح مسلم"، عن النواس بن سمعان قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن البر والإثم ؟ قال: البر: حسن الخلق، والإثم ما حاك في نفسك، وكرهت أن يطلع عليه الناس .

                                                              وروى الترمذي، عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن أكثر ما يدخل الناس النار ؟ فقال: الفم والفرج ، وقال: حديث حسن صحيح.

                                                              وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا، وخياركم خيركم لنسائكم . رواه الترمذي وقال: حسن صحيح.

                                                              [ ص: 352 ] وفي الترمذي أيضا، عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن من أحبكم إلي، وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا، وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون، قالوا يا رسول الله، قد علمنا الثرثارون، والمتشدقون، فما المتفيهقون؟، قال : المتكبرون . قال الترمذي: حديث حسن.

                                                              والثرثار هو الكثير الكلام تكلفا، والمتشدق المتطاول على الناس بكلامه الذي يتكلم فيه بملء فيه، تفاصحا وتفخما وتعظيما لكلامه، والمتفيهق أصله من الفهق وهو الامتلاء، وهو الذي يملأ فمه بالكلام، ويتوسع فيه تكثرا وارتفاعا وإظهارا لفضله على غيره .

                                                              قال الترمذي: قال عبد الله بن المبارك : حسن الخلق: طلاقة الوجه، وبذل المعروف، وكف الأذى .

                                                              وقال غيره : حسن الخلق قسمان:

                                                              أحدهما: مع الله عز وجل، وهو أن يعلم أن كل ما يأتي منك يوجب عذرا، وكل ما يأتي من الله يوجب شكرا، فلا تزال شاكرا له معتذرا إليه، [ ص: 353 ] سائرا إليه بين مطالعة منته، وشهود عيب نفسك وأعمالك.

                                                              والقسم الثاني: حسن الخلق مع الناس، وجماعه أمران: بذل المعروف قولا وفعلا، وكف الأذى قولا وفعلا.

                                                              وهذا إنما يقوم على أركان خمسة: العلم، والجود، والصبر، وطيب العود، وصحة الإسلام.

                                                              أما العلم فلأنه يعرف معالي الأخلاق وسفسافها، فيمكنه أن يتصف بهذا ويتحلى به، ويترك هذا ويتخلى عنه.

                                                              وأما الجود فسماحة نفسه وبذلها وانقيادها لذلك إذا أراده منها.

                                                              وأما الصبر فلأنه إن لم يصبر على احتمال ذلك والقيام بأعبائه لم يتهيأ له.

                                                              وأما طيب العود: فأن يكون الله تعالى خلقه على طبيعة منقادة سهلة القياد، سريعة الاستجابة لداعي الخيرات.

                                                              والطبائع ثلاثة: طبيعة حجرية صلبة قاسية، لا تلين ولا تنقاد، وطبيعة مائية هوائية، سريعة الانقياد، مستجيبة لكل داع، كالغصن أي نسيم مر يعطفه - وهاتان منحرفتان; الأولى: لا تقبل، والثانية لا تحفظ -، وطبيعة قد جمعت اللين والصلابة والصفاء، فهي تقبل بلينها، وتحفظ بصلابتها، وتدرك حقائق الأمور بصفائها، فهذه الطبيعة الكاملة التي ينشأ عنها كل خلق صحيح.

                                                              [ ص: 354 ] وأما صحة الإسلام: فهو جماع ذلك، والمصحح لكل خلق حسن، فإنه بحسب قوة إيمانه وتصديقه بالجزاء، وحسن موعود الله وثوابه يسهل عليه تحمل ذلك، ويلذ له الاتصاف به، والله الموفق المعين.




                                                              الخدمات العلمية