الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله تعالى : قالوا أتتخذنا هزوا هذا جواب منهم لموسى عليه السلام لما قال لهم : إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة وذلك أنهم وجدوا قتيلا بين أظهرهم ، قيل : اسمه عاميل واشتبه أمر قاتله عليهم ، ووقع بينهم خلاف ، فقالوا : نقتتل ورسول الله بين أظهرنا ، فأتوه وسألوه البيان - وذلك قبل نزول القسامة في التوراة ، فسألوا موسى أن يدعو الله فسأل موسى عليه السلام ربه فأمرهم بذبح بقرة ، فلما سمعوا ذلك من موسى وليس في ظاهره جواب عما سألوه عنه واحتكموا فيه عنده ، قالوا : أتتخذنا هزؤا والهزء : اللعب والسخرية ، وقد تقدم . وقرأ الجحدري " أيتخذنا " بالياء ، أي : قال ذلك بعضهم لبعض ، فأجابهم موسى عليه السلام بقوله : أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين لأن الخروج عن جواب السائل المسترشد إلى الهزء جهل ، فاستعاذ منه عليه السلام ، لأنها صفة تنتفي عن الأنبياء . والجهل نقيض العلم . فاستعاذ من الجهل ، كما جهلوا في قولهم : أتتخذنا هزؤا " لمن يخبرهم عن الله تعالى ، وظاهر هذا القول يدل على فساد اعتقاد من قاله . ولا يصح إيمان من قال لنبي قد ظهرت معجزته ، وقال : إن الله يأمرك بكذا : أتتخذنا هزؤا ، ولو قال ذلك اليوم أحد عن بعض أقوال النبي صلى الله عليه وسلم لوجب تكفيره . وذهب قوم إلى أن ذلك منهم على جهة غلظ الطبع والجفاء والمعصية ، على نحو ما قال القائل للنبي صلى الله عليه وسلم في قسمة غنائم حنين : إن هذه لقسمة ما [ ص: 417 ] أريد بها وجه الله . وكما قال له الآخر : اعدل يا محمد وفي هذا كله أدل دليل على قبح الجهل ، وأنه مفسد للدين .

قوله تعالى : " هزوا " مفعول ثان ، ويجوز تخفيف الهمزة تجعلها بين الواو والهمزة . وجعلها حفص واوا مفتوحة ؛ لأنها همزة مفتوحة قبلها ضمة فهي تجري على البدل ، كقوله : السفهاء ولكن . ويجوز حذف الضمة من الزاي كما تحذفها من عضد ، فتقول : هزؤا ، كما قرأ أهل الكوفة ، وكذلك " ولم يكن له كفؤا أحد " . وحكى الأخفش عن عيسى بن عمر أن كل اسم على ثلاثة أحرف أوله مضموم ففيه لغتان : التخفيف والتثقيل ، نحو العسر واليسر والهزء . ومثله ما كان من الجمع على فعل ككتب وكتب ، ورسل ورسل ، وعون وعون . وأما قوله تعالى : وجعلوا له من عباده جزءا فليس مثل هزء وكفء ؛ لأنه على فعل ، من الأصل . على ما يأتي في موضعه إن شاء الله تعالى .

التالي السابق


الخدمات العلمية