الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1879 - ( 6 ) - قوله : روي عن عمرو بن حزم { أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب في كتابه إلى أهل اليمن : أن الذكر يقتل بالأنثى . . . }هذا طرف من كتاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو مشهور قد رواه مالك والشافعي عنه ، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، عن أبيه : أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم في العقول ، ووصله نعيم بن حماد ، عن ابن المبارك ، عن معمر ، عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم ، عن أبيه ، عن جده ، وجده محمد بن عمرو بن حزم ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولكن لم يسمع منه ، وكذا أخرجه عبد الرزاق ، عن معمر ، ومن طريقه الدارقطني ورواه أبو داود والنسائي من طريق ابن وهب ، عن يونس ، عن الزهري مرسلا ، ورواه أبو داود في المراسيل عن ابن شهاب { قال : قرأت في كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم حين بعثه إلى نجران ، وكان الكتاب عند أبي بكر بن حزم }. ورواه النسائي [ ص: 35 ] وابن حبان والحاكم والبيهقي موصولا مطولا ، من حديث الحكم بن موسى ، عن يحيى بن حمزة ، عن سليمان بن داود ، حدثني الزهري ، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، عن أبيه ، عن جده ، وفرقه الدارمي في مسنده عن الحكم مقطعا ، وقد اختلف أهل الحديث في صحة هذا الحديث فقال أبو داود في المراسيل : قد أسند هذا الحديث ولا يصح ، والذي في إسناده سليمان بن داود وهم ، إنما هو سليمان بن أرقم .

وقال في موضع آخر : لا أحدث به ، وقد وهم الحكم بن موسى في قوله : سليمان بن داود ، وقد حدثني محمد بن الوليد الدمشقي أنه قرأه في أصل يحيى بن حمزة : سليمان بن أرقم ، وهكذا قال أبو زرعة الدمشقي : إنه الصواب ، وتبعه صالح بن محمد جزرة ، وأبو الحسن الهروي وغيرهما .

وقال جزرة : نا دحيم قال : قرأت في كتاب يحيى بن حمزة حديث عمرو بن حزم ، فإذا هو عن سليمان بن أرقم ، قال صالح : كتب هذه الحكاية عني مسلم بن الحجاج قلت : ويؤكد هذا ما رواه النسائي عن الهيثم بن مروان ، عن محمد بن بكار ، عن يحيى بن حمزة ، عن سليمان بن أرقم ، عن الزهري ، وقال : هذا أشبه بالصواب .

وقال ابن حزم : صحيفة عمرو بن حزم منقطعة لا تقوم بها حجة ، وسليمان بن داود متفق على تركه ، وقال عبد الحق : سليمان بن داود هذا الذي يروي هذه النسخة عن الزهري ضعيف ، ويقال : إنه سليمان بن أرقم ، وتعقبه ابن عدي فقال : [ ص: 36 ] هذا خطأ إنما هو سليمان بن داود ، وقد جوده الحكم بن موسى ، انتهى .

وقال أبو زرعة : عرضته على أحمد ، فقال : سليمان بن داود هذا ليس بشيء ، وقال ابن حبان : سليمان بن داود اليمامي ضعيف ، وسليمان بن داود الخولاني ثقة ، وكلاهما يروي عن الزهري ، والذي روى حديث الصدقات هو الخولاني ، فمن ضعفه فإنما ظن أن الراوي له هو اليمامي .

قلت : ولولا ما تقدم من أن الحكم بن موسى وهم في قوله : سليمان بن داود ، وإنما هو سليمان بن أرقم لكان لكلام ابن حبان وجه ، وصححه الحاكم ، وابن حبان كما تقدم والبيهقي ، ونقل عن أحمد بن حنبل أنه قال : أرجو أن يكون صحيحا ، قال : وقد أثنى على سليمان بن داود الخولاني هذا أبو زرعة ، وأبو حاتم ، وعثمان بن سعيد ، وجماعة من الحفاظ . قال الحاكم : وحدثني أبو أحمد الحسين بن علي ، عن ابن أبي حاتم ، عن أبيه : أنه سئل عن حديث عمرو بن حزم ؟ فقال : سليمان بن داود عندنا ممن لا بأس به ، وقد صحح الحديث بالكتاب المذكور جماعة من الأئمة . لا من حيث الإسناد ; بل من حيث الشهرة ، فقال الشافعي في رسالته : لم يقبلوا هذا الحديث حتى ثبت عندهم أنه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وقال ابن عبد البر : هذا كتاب مشهور عند أهل السير ، معروف ما فيه عند أهل العلم معرفة يستغنى بشهرتها عن الإسناد ; لأنه أشبه التواتر في مجيئه لتلقي الناس له بالقبول والمعرفة ، قال : ويدل على شهرته ما روى ابن وهب ، عن مالك ، عن الليث بن سعد ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب قال : وجد كتاب عند آل حزم يذكرون أنه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال العقيلي : هذا حديث ثابت محفوظ ; إلا أنا نرى أنه كتاب غير مسموع عمن فوق الزهري .

وقال يعقوب بن سفيان : لا أعلم في جميع الكتب المتقولة كتابا أصح من كتاب عمرو بن حزم هذا ، فإن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والتابعين يرجعون إليه ويدعون رأيهم ، وقال الحاكم : قد شهد عمر بن عبد العزيز ، وإمام عصره الزهري ، لهذا الكتاب بالصحة ، ثم ساق ذلك بسنده إليهما .

التالي السابق


الخدمات العلمية