الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
315 [ ص: 273 ] حديث واحد وعشرون لزيد بن أسلم مسند

مالك ، عن زيد بن أسلم ، عن القعقاع ( بن حكيم ) ، عن أبي يونس مولى عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : أمرتني عائشة أن أكتب لها مصحفا ، ثم قالت : إذا بلغت هذه الآية فآذني : حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين ، فلما بلغتها ، آذنتها ، فأملت علي : حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين ، ثم قالت : سمعتها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

التالي السابق


في هذا الحديث من الفقه ، جواز دخول مملوك المرأة عليها . وفيه ما يدل على مذهب من قال : إن القرآن نسخ منه ما ليس في مصحفنا اليوم . ومن قال بهذا القول يقول : إنالنسخ على ثلاثة أوجه في القرآن : أحدها ما نسخ خطه وحكمه وحفظه ، فنسي . [ ص: 274 ] يعني رفع خطه من المصحف ، وليس على وجه التلاوة ; ولا يقطع بصحته على الله ، ولا يحكم به اليوم أحد ; وذلك نحو ما روي أنه كان يقرأ : لا ترغبوا عن آبائكم ، فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم .

ومنها قوله : لو أن لابن آدم واديا من ذهب ، لابتغى إليه ثانيا ; ولو أن له ثانيا ، لابتغى إليه ثالثا ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ، ويتوب الله على من تاب . قيل : إن هذا كان في سورة ص .

ومنها : ( بلغوا قومنا أنا قد لقينا ربنا ، فرضي عنا ورضينا ( عنه ) . وهذا من حديث مالك ، عن إسحاق ، عن أنس ، أنه قال : أنزل الله في الذين قتلوا ببئر معونة قرآنا قرأناه ، ثم نسخ بعد : بلغوا قومنا - وذكره .

ومنها قول عائشة : كان فيما أنزل الله من القرآن عشر رضعات ، ثم نسخن بخمس معلومات ، فتوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وهن مما يقرأ إلى أشياء في مصحف أبي ، و عبد الله ، وحفصة ، وغيرهم ، مما يطول ذكره .

[ ص: 275 ] ومن هذا الباب ، قول من قال : إن سورة الأحزاب ، كانت نحو سورة البقرة أو الأعراف .

روى سفيان ، وحماد بن زيد ، عن عاصم ، عن زر بن حبيش ، قال : قال لي أبي بن كعب : كأين تقرأ سورة الأحزاب ، أو كأين تعدها ؟ قلت : ثلاثا وسبعين آية . قال : قط ، لقد رأيتها ، وإنها لتعادل البقرة ، ولقد كان فيما قرأنا فيها : الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة ، نكالا من الله ، والله عزيز حكيم .

وقال مسلم بن خالد ، عن عمرو بن دينار - قال : كانت سورة الأحزاب تقارن سورة البقرة .

( وروى أبو نعيم الفضل بن دكين ، قال : حدثنا سيف ، عن مجاهد ، قال : كانت الأحزاب مثل سورة البقرة أو أطول ، ولقد ذهب يوم مسيلمة قرآن كثير ، ولم يذهب منه حلال ولا حرام ) .

أخبرنا عيسى بن سعيد بن سعدان ( المقرئ ) ، قال : أخبرنا أبو القاسم إبراهيم بن أحمد بن جعفر الخرقي المقرئ ، قال : أخبرنا أبو الحسن صالح بن أحمد القيراطي ، قال : أخبرنا أحمد بن محمد بن [ ص: 276 ] يحيى بن سعيد القطان ، قال : أخبرني يحيى بن آدم ، قال : أخبرنا عبد الله بن الأجلح ، عن أبيه ، عن عدي بن عدي بن عميرة بن فروة ، عن أبيه ، عن جده عميرة بن فروة ، أن عمر بن الخطاب قال لأبي - وهو إلى جنبه - : أوليس كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله : إن انتفاءكم من آبائكم كفر بكم ؟ فقال : بلى ، ثم قال : أوليس كنا نقرأ الولد للفراش ، وللعاهر الحجر - فيما فقدنا من كتاب الله ؟ فقال أبي : بلى .

والوجه الثاني : أن ينسخ خطه ويبقى حكمه ، وذلك نحو قول عمر بن الخطاب : لولا أن يقول قوم زاد عمر في كتاب الله ، لكتبتها بيدي : الشيخ والشيخة ( إذا زنيا ) فارجموهما البتة ، بما قضيا من اللذة ، نكالا من الله ، والله عزيز حكيم . فقد قرأناها [ ص: 277 ] على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فهذا مما نسخ ورفع خطه من المصحف ، وحكمه باق في الثيب من الزناة إلى يوم القيامة - إن شاء الله - ( عند أهل السنة ) .

ومن هذا الباب قوله في هذا الحديث : وصلاة العصر ; ( في مذهب من نفى أن تكون الصلاة الوسطى هي صلاة العصر ) .

وقد تأول قوم في قول عمر : قرأناها على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ; أي تلوناها ، والحكمة تتلى ، بدليل قول الله عز وجل : واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة ، وبين أهل العلم في هذا تنازع يطول ذكره .

والوجه الثالث ; أن ينسخ حكمه ويبقى خطه يتلى في المصحف ، وهذا كثير نحو قوله عز وجل : والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول ، نسختها : يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا الآية . وهذا من الناسخ والمنسوخ المجتمع عليه .

وقد أنكر قوم أن يكون هذا الحديث في شيء من معنى الناسخ والمنسوخ ، وقالوا : إنما هو من معنى السبعة الأحرف التي أنزل [ ص: 278 ] الله القرآن عليها ، نحو قراءة عمر بن الخطاب ، وابن مسعود - رحمهما الله - : " فامضوا إلى ذكر الله " . وقراءة ابن مسعود : فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما . وقراءة أبي وابن عباس : وأما الغلام فكان كافرا ، وكان أبواه مؤمنين ) ، وقراءة ابن مسعود وابن عباس : فلما خر تبينت الإنس أن لو كان الجن يعلمون الغيب . ونحو هذا من القراءات المضافة إلى الأحرف السبعة ، وقد ذكرنا ما للعلماء من المذاهب في تأويل قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أنزل القرآن على سبعة أحرف في باب ابن شهاب ، عن عروة من هذا الكتاب .

وقد أبت طائفة أن يكون شيء من القرآن إلا ما بين لوحي مصحف عثمان ، واحتجوا بقول الله عز وجل : إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون . إلى أشياء احتجوا بها يطول ذكرها .

وأجمع العلماء أن ما في مصحف عثمان بن عفان وهو الذي بأيدي المسلمين اليوم في أقطار الأرض حيث كانوا ، هو القرآن المحفوظ الذي لا يجوز لأحد أن يتجاوزه ، ولا تحل الصلاة لمسلم إلا بما فيه ; وإن كل ما روي من القراءات في الآثار عن النبي - صلى [ ص: 279 ] الله عليه وسلم - ، أو عن أبي ، أو عمر بن الخطاب أو عائشة ، أو ابن مسعود ، أو ابن عباس ، أو غيرهم من الصحابة مما يخالف مصحف عثمان المذكور ، لا يقطع بشيء من ذلك على الله عز وجل ، ولكن ذلك في الأحكام يجري في العمل مجرى خبر الواحد .

وإنما حل مصحف عثمان - رضي الله عنه - هذا المحل ; لإجماع الصحابة وسائر الأمة عليه ، ولم يجمعوا على ما سواه ، وبالله التوفيق .

ويبين لك هذا ; أن من دفع شيئا مما في مصحف عثمان كفر ; ومن دفع ما جاء في هذه الآثار وشبهها من القراءات لم يكفر .

ومثل ذلك من أنكر صلاة من الصلوات الخمس ، واعتقد أنها ليست واجبة عليه كفر . ومن أنكر أن يكون التسليم من الصلاة ، أو قراءة أم القرآن ، أو تكبيرة الإحرام فرضا ، لم يكفر ، ونوظر ، فإن بان له فيه الحجة ، وإلا عذر إذا قام له دليله ; وإن لم يقم له على ما ادعاه دليل محتمل ، هجر وبدع ; فكذلك ما جاء من الآيات المضافات إلى القرآن في الآثار ، فقف على هذا الأصل .

[ ص: 280 ] وفي هذا الحديث دليل على أن الصلاة الوسطى ليست صلاة العصر ، لقوله فيه : وصلاة العصر . وهذه الواو تسمى الواو الفاصلة .

وحديث عائشة هذا صحيح ، لا أعلم فيه اختلافا .

وقد روي عن حفصة في هذا نحو حديث عائشة سواء ، رواه مالك ، عن زيد بن أسلم ، عن عمرو بن رافع ، أنه قال : كنت أكتب مصحفا لحفصة أم المؤمنين ، فقالت : إذا بلغت هذه الآية ، فآذني : حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين ، فلما بلغتها آذنتها فأملت علي : حافظوا على الصلوات ، والصلاة الوسطى ، وصلاة العصر ، وقوموا لله قانتين .

هكذا رواه مالك موقوفا ، وحديث حفصة هذا ، قد اختلف في رفعه وفي متنه أيضا .

وممن رفعه عن زيد ، هشام بن سعد : حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا المطلب بن شعيب ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : حدثنا الليث ، قال : حدثني هشام عن زيد بن أسلم ، عن عمرو بن رافع ، أنه قال : أمرتني [ ص: 281 ] حفصة أن أكتب لها مصحفا ، فقالت إذا بلغت آية الصلاة من البقرة ، فتعال أملها عليك ، فلما بلغتها جئتها ، فقالت : حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر ، هكذا سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ .

وذكر إسماعيل بن إسحاق ، قال : حدثنا محمد بن أبي بكر ، قال : حدثنا حماد بن زيد ، قال : حدثنا عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، أن حفصة أمرت أن يكتب لها مصحف ، فقالت : إذا أتيت على ذكر الصلوات ، فلا تكتب حتى أمليها عليك ، كما سمعتها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر . قال نافع : فرأيت الواو فيها . قال عبيد الله : وكان زيد بن ثابت يقول صلاة الوسطى : صلاة الظهر .

قال أبو عمر :

هذا إسناد صحيح جيد في حديث حفصة ، ووجدت في أصل [ ص: 282 ] سماع أبي - رحمه الله - بخطه أن أبا عبد الله محمد بن أحمد بن قاسم بن هلال ، حدثهم قال : حدثنا سعيد بن عثمان ، قال : حدثنا نصر بن مرزوق ، قال : أخبرنا أسد بن موسى ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن حفصة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - ، أنها قالت لكاتب مصحفها : إذا بلغت مواقيت الصلاة ، فأخبرني حتى أخبرك ما سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، يقول : فلما أخبرتها ، قالت : اكتب ، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر .

وروى هشيم ، قال : حدثنا جعفر بن إياس ، عن رجل حدثه ، عن سالم بن عبد الله ، أن حفصة أم المؤمنين ، أمرت رجلا يكتب لها مصحفا ، فقالت : إذا بلغت هذه الآية فآذني : حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ، فلما بلغتها أعلمتها ذلك فقالت له اكتب : حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر ، ذكره سنيد وغيره ، عن هشيم ، ففي هذا الحديث أنها [ ص: 283 ] جعلت صلاة العصر بدلا من الصلاة الوسطى ، ولم يأت ( فيه ) بالواو ، فلو صح هذا ، كانت صلاة العصر هي الصلاة الوسطى .

( وقد احتج بعض من زعم أن الصلاة الوسطى صلاة العصر ، بحديث هشيم هذا وما كان مثله ، وقال : إن سقوط الواو وثبوتها في مثل هذا من كلام العرب سواء ، واحتج بقول الشاعر :


إلى الملك القرم وابن الهما م وليث الكتيبة في المزدحم

يريد الملك القرم ابن الهمام ، ليث الكتيبة .

والعرب تقول : اشتر ثوبا ، قطنا ، كتانا ، صوفا . وقالوا : إن من هذا الباب قول الله تعالى : فيهما فاكهة ونخل ورمان ; أي فيهما فاكهة نخل ورمان .

وكذلك قالوا في قوله تعالى : وملائكته ورسله وجبريل وميكال ; يريد : وملائكته جبريل وميكائيل ) ، وهذا خلاف ما ( تقدم ، وخلاف ما ) روي عن عائشة ، وحديث عائشة أصح ، وكذلك رواية من أثبت ( الواو ) في حديث حفصة أصح إسنادا ، والله أعلم . وحسبك بقول نافع : فرأيت الواو فيها .

[ ص: 284 ] وقد اختلف العلماء في الصلاة الوسطى ، فقالت طائفة : الصلاة الوسطى صلاة الصبح ، وممن قال بهذا : عبد الله بن عباس ، وهو أصح ما روي عنه في ذلك إن شاء الله ، وعبد الله بن عمر ، وعائشة ، على اختلاف عنهم في ذلك .

وروى زهير بن محمد ، ومصعب بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، عن ابن عمر ، قال : الصلاة الوسطى صلاة الصبح .

وذكر إسماعيل بن إسحاق ، قال : أخبرنا إبراهيم بن حمزة ، وعلي ابن المديني ، واللفظ له ، قالا : حدثنا عبد العزيز بن محمد ، قال : حدثني زيد بن أسلم ، قال : سمعت ابن عمر ، يقول : الصلاة الوسطى صلاة الصبح .

قال أبو عمر :

وهذا قول طاوس ، وعطاء ، ومجاهد ، وبه قال مالك بن أنس وأصحابه .

ذكر إسماعيل قال : حدثنا إبراهيم بن حمزة ، قال :

[ ص: 285 ] أخبرنا عبد العزيز ( بن محمد ) ، عن ثور ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، أنه كان يقول : الصلاة الوسطى صلاة الصبح ، تصلى في سواد من الليل ، وبياض من النهار ، وهي أكثر الصلوات تفوت الناس .

قال إسماعيل : وحدثنا ( به ) محمد بن أبي بكر ، قال : حدثنا عبد الله بن جعفر ، عن ثور بن زيد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس مثله .

قال إسماعيل : الرواية عن ابن عباس في ذلك صحيحة ، ويدل على مذهبه قول الله عز وجل : وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا ; فخصت بهذا النص ، مع أنها منفردة بوقتها ، لا يشاركها غيرها في ( هذا ) الوقت ; فدل ذلك على أنها الوسطى ، والله أعلم .

( وزاد غيره : إنها لا تجتمع مع غيرها لا في سفر ولا حضر ، وإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يضمها إلى غيرها في وقت واحد ) .

قال أبو عمر :

وقال قائلون : ( إن ) الصلاة الوسطى صلاة الظهر ، روي ذلك عن زيد بن ثابت ، وهو أثبت ما روي عنه . وروي ذلك أيضا عن [ ص: 286 ] ( عبد الله ) بن عمر ، وعائشة ، وأبي سعيد الخدري على اختلاف عنهم .

وروي أيضا ، عن عبد الله بن شداد ، وعروة بن الزبير ، أنها الظهر .

أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : أخبرنا أبو داود ، قال : أخبرنا محمد بن المثنى ، قال : أخبرنا محمد بن جعفر ، قال : أخبرنا شعبة ، قال : حدثني عمرو بن أبي حكيم ، قال : سمعت الزبرقان يحدث عن عروة بن الزبير ، عن زيد بن ثابت ، قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي الظهر بالهاجرة ، ولم يكن يصلي صلاة أشد على أصحابه منها ; فنزلت : حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ، وقال : إن قبلها صلاتين ، وبعدها صلاتين .

وروى شعبة أيضا عن سعد بن إبراهيم ، قال : سمعت حفص بن عمر يحدث ، عن زيد بن ثابت ، قال : الصلاة الوسطى صلاة الظهر .

وشعبة ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب ، عن زيد بن ثابت مثله .

[ ص: 287 ] ومالك ، عن داود بن الحصين ، عن ابن يربوع المخزومي ، سمع زيد بن ثابت مثله .

وقال إسماعيل : من قال إنها الظهر ، ذهب إلى أنها وسط النهار ، أو لعل بعضهم روى في ذلك أثرا فاتبعه .

قال أبو عمر :

وقال آخرون : الصلاة الوسطى صلاة العصر . وممن قال بذلك : علي بن أبي طالب ، لا خلاف عنه من وجه معروف صحيح .

وقد روي من حديث حسين بن عبد الله بن ضميرة ، عن أبيه ، عن جده ، عن علي بن أبي طالب ، أنه قال : الصلاة الوسطى صلاة الصبح . وحسين هذا متروك الحديث ، مدني ، ولا يصح حديثه بهذا ( الإسناد ) .

وقال قوم : إن ما أرسله مالك - رحمه الله - في موطئه ، عن علي بن أبي طالب في الصلاة الوسطى ، أنها الصبح ، أخذه من حديث [ ص: 288 ] ابن ضميرة هذا ، إلا أنه لا يوجد عن علي إلا من حديثه ، والصحيح عن علي من وجوه شتى صحاح ( أنه ) قال في الصلاة الوسطى : صلاة العصر .

وروي ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، رواه عنه جماعة من أصحابه ، منهم عبيدة السلماني ، وشتير بن شكل ، ويحيى بن الجزار ، ( والحرث ) ، والأحاديث عنه في ذلك صحاح ، ثابتة أسانيدها حسان : ذكر إسماعيل ، قال : أخبرنا محمد بن أبي بكر ، قال : حدثنا يحيى ، وعبد الرحمن بن مهدي ، عن سفيان ، عن عاصم ، عن زر ، قال : ( قلت ) لعبيدة : سل عليا عن الصلاة الوسطى ، فسأله ، قال : كنا نراها الفجر ، حتى سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول يوم الأحزاب : شغلونا عن الصلاة الوسطى ، ملأ الله قبورهم وأجوافهم وبيوتهم نارا .

وممن قال أيضا الصلاة الوسطى صلاة العصر : أبو أيوب الأنصاري ، وأبو هريرة ( الدوسي ) ، وأبو سعيد الخدري ، وهو قول عبيدة السلماني ، والحسن البصري ، ومحمد بن [ ص: 289 ] سيرين ، والضحاك بن مزاحم ، وسعيد بن جبير ، وهو قول الشافعي ، وأبي حنيفة ، وأصحابهم وأكثر أهل الأثر ، ( وإليه ذهب عبد الملك بن حبيب ) ; وروي ذلك ( أيضا ) عن ابن عباس ، وابن عمر ، وعائشة ، على اختلاف عنهم - كما ذكرنا - .

وأما حديث ابن عمر ، فرواه شعبة عن أبي حيان ، قال : سمعت ابن عمر سئل عن الصلاة الوسطى ، فقال : هي العصر .

وأما حديث عائشة ، فرواه وكيع ، عن محمد بن عمرو ، عن القاسم بن محمد ، عن عائشة ، قالت : هي العصر . وروى ذلك إسماعيل أيضا ، عن محمد بن أبي بكر ، عن ابن مهدي ، عن محمد بن عمرو ، عن القاسم ، عن عائشة .

واحتج من قال : إنها العصر ، بما حدثناه عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : أخبرنا عثمان بن أبي شيبة ، قال : أخبرنا يحيى بن زكرياء بن أبي زائدة ، ويزيد بن هارون ، عن هشام بن حسان ، عن محمد بن سيرين ، عن عبيدة ، عن علي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال يوم الخندق : حبسونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ، ملأ الله بيوتهم وقبورهم نارا .

وحدثنا عبد الوارث ، قال : حدثنا قاسم ، قال : أخبرنا أحمد بن زهير ، قال : حدثنا موسى بن إسماعيل ، قال : حدثنا أبان بن [ ص: 290 ] يزيد ، قال : حدثنا قتادة ، أن أبا حسان أخبره ، عن عبيدة السلماني ، أنه سمع عليا ( قال ) : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال يوم الخندق : اللهم املأ بيوتهم وقبورهم نارا ، كما حبسونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس .

ورواه شعبة ( عن قتادة ) ، عن أبي حسان ، عن عبيدة ، عن علي مثله مرفوعا .

وذكر إسماعيل القاضي ، قال : حدثنا محمد بن أبي بكر ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن هشام بن حسان ، عن محمد بن عبيدة ( السلماني ) ، عن علي ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال يوم الخندق : شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غربت الشمس ، ملأ الله قلوبهم وقبورهم نارا .

قال القاضي : أحسن الأحاديث المرفوعة في هذا الباب عن علي ، حديث هشام بن حسان ، عن محمد بن عبيدة .

وحدثني محمد بن إبراهيم ، قال : أخبرنا محمد بن معاوية ، قال : حدثنا أحمد بن شعيب ، قال : أخبرنا إسحاق بن إبراهيم ، قال : أخبرنا عيسى عن الأعمش ، عن مسلم ، عن شتير بن شكل ، [ ص: 291 ] عن علي ، قال : شغلوا النبي - صلى الله عليه وسلم - عن صلاة العصر ، حتى صلاها بين صلاتي العشاءين ، فقال : شغلونا عن صلاة الوسطى ، ملأ الله بيوتهم ( وقبورهم ) نارا .

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : أخبرنا قاسم بن أصبغ ، قال : أخبرنا بكر بن حماد ، قال : حدثنا مسدد ، قال : حدثنا يحيى بن سفيان ، قال : حدثني الأعمش ، عن مسلم أبي الضحى ، عن شتير بن شكل ، عن علي قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الأحزاب : شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر حتى غابت الشمس ، ملأ الله قلوبهم وأجوافهم نارا .

وروى شعبة أيضا عن الحكم ، عن يحيى بن الجزار ، عن علي ، قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - على فرضة من فرض الخندق ، فقال : شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غربت الشمس ، ملأ الله قبورهم وبطونهم ( وبيوتهم ) نارا .

[ ص: 292 ] قال شعبة : لم يسمع يحيى بن الجزار من علي غير هذا الحديث .

وروى سفيان الثوري ، وإسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن الحرث ، عن علي قال : الصلاة الوسطى صلاة العصر ، ويوم الحج الأكبر يوم النحر .

واحتج من قال : إنها الصبح ، بحديث مالك ، عن زيد بن أسلم ، عن أبي يونس ، عن عائشة ، المذكور في هذا الباب .

ويجوز أن يحتج به ( أيضا ) من قال : إنها الظهر ; لأن قوله : والصلاة الوسطى ، وصلاة العصر ، يقتضي أن الوسطى ليست ( صلاة ) العصر .

وقد عارض بعض المتأخرين حديث عائشة هذا بحديث زيد بن أرقم ، قال : كنا نتكلم في الصلاة ، حتى نزلت : حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين . قال : فهذا [ ص: 293 ] زيد بن أرقم يذكر أن الآية هكذا أنزلت ، ليس فيها وصلاة العصر ، وهو الثابت بين اللوحين بنقل الكافة .

واحتج أيضا من قال : إنها العصر بقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : الذي تفوته صلاة العصر ، فكأنما وتر أهله وماله . قالوا : فلم يخصها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالذكر إلا لأنها الوسطى التي خصها الله بالتأكيد ، والله أعلم .

وروي عن قبيصة بن ذؤيب ، أنه قال : الصلاة الوسطى صلاة المغرب ، ألا ترى أنها ليست بأقلها ، ولا أكثرها ، ولا تقصر في السفر ، وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يؤخرها عن وقتها ، ولم يعجلها ، وهذا لا أعلمه قاله غير قبيصة .

قال أبو عمر :

كل ما ذكرنا قد قيل فيما وصفنا ، وبالله توفيقنا ، وهو [ ص: 294 ] أعلم بمراده عز وجل من قوله : والصلاة الوسطى . وكل واحدة من الخمس وسطى ; لأن قبل كل واحدة منهن صلاتين ، وبعدها صلاتين ، كما قال زيد بن ثابت في الظهر ، والمحافظة على جميعهن واجب ، والله المستعان .




الخدمات العلمية