الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ( حلل ) ‏ * في حديث عائشة " قالت : طيبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحله وحرمه " . * وفي حديث آخر " لإحلاله حين حل " يقال حل المحرم يحل حلالا وحلا ، وأحل يحل إحلالا‏ : إذا حل له ما يحرم عليه من محظورات الحج . ورجل حل من الإحرام‏ : أي حلال . والحلال‏ : ضد الحرام . ورجل حلال‏ : أي غير محرم ولا متلبس بأسباب الحج ، وأحل الرجل إذا خرج إلى الحل عن الحرم . وأحل إذا دخل في شهور الحل . [ ص: 429 ] ( ‏ هـ ) ‏ ومنه حديث النخعي " أحل بمن أحل بك " أي من ترك إحرامه وأحل بك فقاتلك فأحلل أنت أيضا به وقاتله وإن كنت محرما . وقيل‏ : معناه إذا أحل رجل ما حرم الله عليه منك فادفعه أنت عن نفسك بما قدرت عليه . ( هـ ) وفي حديث آخر " من حل بك فاحلل به " أي من صار بسببك حلالا فصر أنت به أيضا حلالا . هكذا ذكره الهروي وغيره . والذي جاء في كتاب أبي عبيد عن النخعي في المحرم يعدو عليه السبع أو اللص " أحل بمن أحل بك " قال‏ : وقد روى عن الشعبي مثله وشرح مثل ذلك . * ومنه حديث دريد بن الصمة " قال لمالك بن عوف : أنت محل بقومك " أي إنك قد أبحت حريمهم وعرضتهم للهلاك ، شبههم بالمحرم إذا أحل ، كأنهم كانوا ممنوعين بالمقام في بيوتهم فحلوا بالخروج منها . * وفي حديث العمرة " حلت العمرة لمن اعتمر " أي صارت لكم حلالا جائزة . وذلك أنهم كانوا لا يعتمرون في الأشهر الحرم ، فذلك معنى قولهم‏ : إذا دخل صفر حلت العمرة لمن اعتمر . ( هـ ) وفي حديث العباس وزمزم " لست أحلها لمغتسل ، وهي لشارب حل وبل " الحل بالكسر الحلال ضد الحرام . * ومنه الحديث " وإنما أحلت لي ساعة من نهار " يعني مكة يوم الفتح حيث دخلها عنوة غير محرم . * وفيه " إن الصلاة تحريمها التكبير وتحليلها التسليم " أي صار المصلي بالتسليم يحل له ما حرم عليه فيها بالتكبير من الكلام والأفعال الخارجة عن كلام الصلاة وأفعالها ، كما يحل للمحرم بالحج عند الفراغ منه ما كان حراما عليه . [ هـ ] ‏ ومنه الحديث " لا يموت لمؤمن ثلاثة أولاد فتمسه النار إلا تحلة القسم " قيل أراد بالقسم قوله تعالى : وإن منكم إلا واردها تقول العرب‏ : ضربه تحليلا وضربه تعذيرا إذا لم يبالغ في ضربه ، وهذا مثل في القليل المفرط في القلة ، وهو أن يباشر من الفعل الذي يقسم عليه المقدار [ ص: 430 ] الذي يبر به قسمه ، مثل أن يحلف على النزول بمكان ، فلو وقع به وقعة خفيفة أجزأته ، فتلك تحلة قسمه . فالمعنى لا تمسه النار إلا مسة يسيرة مثل تحلة قسم الحالف ، ويريد بتحلته الورود على النار والاجتياز بها . والتاء في التحلة زائدة . ( هـ ) ومنه الحديث الآخر " من حرس ليلة من وراء المسلمين متطوعا لم يأخذه الشيطان ولم ير النار تمسه إلا تحلة القسم ، قال الله تعالى : وإن منكم إلا واردها . ومنه قصيد كعب بن زهير‏ :

                                                          تخدي على يسرات وهي لاهية ذوابل وقعهن الأرض تحليل

                                                          أي قليل ، كما يحلف الإنسان على الشيء أن يفعله فيفعل منه اليسير يحلل به يمينه . ( هـ ) وفي حديث عائشة " أنها قالت لامرأة مرت بها : ما أطول ذيلها ؟ فقال : اغتبتيها ، قومي إليها فتحلليها " يقال تحللته واستحللته‏ : إذا سألته أن يجعلك في حل من قبله . ( هـ ) ومنه الحديث من كان عنده مظلمة من أخيه فليستحله . ( هـ ) وفي حديث أبي بكر " أنه قال لامرأة حلفت أن لا تعتق مولاة لها ، فقال لها : حلا أم فلان ، واشتراها وأعتقها " أي تحللي من يمينك ، وهو منصوب على المصدر . * ومنه حديث عمرو بن معدي كرب " قال لعمر : حلا يا أمير المؤمنين فيما تقول " أي تحلل من قولك . * وفي حديث أبى قتادة " ثم ترك فتحلل " أي لما انحلت قواه ترك ضمه إليه ، وهو تفعل ، من الحل نقيض الشد . * وفي حديث أنس " قيل له : حدثنا ببعض ما سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال وأتحلل " أي أستثني . ( هـ ) وفيه " أنه سئل : أي الأعمال أفضل ؟ فقال : الحال المرتحل ، قيل : وما ذاك ؟ قال : الخاتم المفتتح ، وهو الذي يختم القرآن بتلاوته ، ثم يفتتح التلاوة من أوله ، شبهه بالمسافر يبلغ المنزل فيحل فيه ، ثم يفتتح سيره : أي يبتدؤه . وكذلك قراء أهل مكة إذا ختموا القرآن [ ص: 431 ] بالتلاوة ابتدءوا وقرءوا الفاتحة وخمس آيات من أول سورة البقرة إلى وأولئك هم المفلحون ، ثم يقطعون القراءة ، ويسمون فاعل ذلك‏ : الحال المرتحل ، أي ختم القرآن وابتدأ بأوله ولم يفصل بينهما بزمان . وقيل‏ : أراد بالحال المرتحل الغازي الذي لا يقفل عن غزو إلا عقبه بآخر . * وفيه " أحلوا الله يغفر لكم " أي أسلموا ، هكذا فسر في الحديث . قال الخطابي‏ : معناه الخروج من حظر الشرك إلى حل الإسلام وسعته ، من قولهم أحل الرجل إذا خرج من الحرم إلى الحل . ويروى بالجيم ، وقد تقدم . وهذا الحديث هو عند الأكثرين من كلام أبي الدرداء . ومنهم من جعله حديثا . ( هـ ) وفيه لعن الله المحلل والمحلل له وفي رواية المحل والمحل له . * وفي حديث بعض الصحابة " لا أوتى بحال ولا محلل إلا رجمتهما " جعل الزمخشري هذا الحديث الأخير حديثا لا أثرا . وفي هذه اللفظة ثلاث لغات‏ : حللت ، وأحللت ، وحللت ; فعلى الأولى جاء الحديث الأول ، يقال حلل فهو محلل ومحلل له ، وعلى الثانية جاء الثاني ، تقول أحل فهو محل ومحل له ، وعلى الثالثة جاء الثالث ، تقول حللت فأنا حال ، وهو محلول له . وقيل أراد بقوله لا أوتى بحال‏ : أي بذي إحلال ، مثل قولهم ريح لاقح‏ : أي ذات إلقاح . والمعنى في الجميع‏ : هو أن يطلق الرجل امرأته ثلاثا فيتزوجها رجل آخر على شريطة أن يطلقها بعد وطئها لتحل لزوجها الأول . وقيل سمي محللا بقصده إلى التحليل ، كما يسمى مشتريا إذا قصد الشراء . * وفي حديث مسروق " في الرجل تكون تحته الأمة فيطلقها طلقتين ، ثم يشتريها ، قال : لا تحل له إلا من حيث حرمت عليه " أي أنها لا تحل له وإن اشتراها حتى تنكح زوجا غيره . يعني أنها كما حرمت عليه بالتطليقتين فلا تحل له حتى يطلقها الزوج الثاني تطليقتين فتحل له بهما كما حرمت عليه بهما . * وفيه أن تزاني حليلة جارك حليلة الرجل‏ : امرأته ، والرجل حليلها ; لأنها تحل معه ويحل معها . وقيل لأن كل واحد منهما يحل للآخر . [ ص: 432 ] ( ‏س ) ومنه حديث عيسى - عليه السلام - عند نزوله " أنه يزيد في الحلال " قيل أراد أنه إذا نزل تزوج فزاد فيما أحل الله له‏ : أي ازداد منه لأنه لم ينكح إلى أن رفع . * وفي حديثه أيضا " فلا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا مات " أي هو حق واجب واقع ، لقوله تعالى : وحرام على قرية أي حق واجب عليها . * ومنه الحديث حلت له شفاعتي وقيل‏ : هي بمعنى غشيته ونزلت به . ‏ * فأما قوله : لا يحل الممرض على المصح فبضم الحاء ، من الحلول : النزول . وكذلك فليحلل بضم اللام . * وفي حديث الهدي " لا ينحر حتى يبلغ محله " أي الموضع والوقت الذي يحل فيهما نحره ، وهو يوم النحر بمنى ، وهو بكسر الحاء يقع على الموضع والزمان . * ومنه حديث عائشة " قال لها : هل عندكم شيء ؟ قالت : لا ، إلا شيء بعثت به إلينا نسيبة من الشاة التي بعثت إليها من الصدقة ، فقال : هات فقد بلغت محلها " أي وصلت إلى الموضع الذي تحل فيه ، وقضي الواجب فيها من التصدق بها ، فصارت ملكا لمن تصدق بها عليه ، يصح له التصرف فيها ، ويصح قبول ما أهدى منها وأكله ، وإنما قال ذلك لأنه يحرم عليه أكل الصدقة . ( هـ س ) ‏ وفيه " أنه كره التبرج بالزينة لغير محلها " يجوز أن تكون الحاء مكسورة من الحل ، ومفتوحة من الحلول ، أو أراد به الذين ذكرهم الله في قوله : ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن الآية . والتبرج‏ : إظهار الزينة . ( هـ ) وفيه " خير الكفن الحلة " الحلة‏ : واحدة الحلل ، وهي برود اليمن ، ولا تسمى حلة إلا أن تكون ثوبين من جنس واحد . * ومنه حديث أبي اليسر " لو أنك أخذت بردة غلامك وأعطيته معافريك ، أو أخذت معافريه وأعطيته بردتك فكانت عليك حلة وعليه حلة " . [ ص: 433 ] ( هـ ) ومنه الحديث " أنه رأى رجلا عليه حلة قد ائتزر بأحدهما وارتدى بالأخرى " أي ثوبين . ( ‏س ) ومنه حديث علي " أنه بعث ابنته أم كلثوم إلى عمر لما خطبها ، فقال لها قولي له إن أبي يقول لك : هل رضيت الحلة ؟ " كنى عنها بالحلة لأن الحلة من اللباس ، ويكنى به عن النساء ، ومنه قوله تعالى : هن لباس لكم وأنتم لباس لهن . * وفيه " أنه بعث رجلا على الصدقة ، فجاء بفصيل مخلول أو محلول بالشك " المحلول بالحاء المهملة‏ : الهزيل الذي حل اللحم عن أوصاله فعري منه . والمخلول يجيء في بابه . ( ‏س ) ‏ وفي حديث عبد المطلب‏ :

                                                          لا هم إن المرء يمـ ـنع رحله فامنع حلالك



                                                          الحلال بالكسر‏ : القوم المقيمون المتجاورون ، يريد بهم سكان الحرم . * وفيه " أنهم وجدوا ناسا أحلة " كأنهم جمع حلال ، كعماد وأعمدة ، وإنما هو جمع فعال بالفتح ، كذا قاله بعضهم . وليس في جمع فعال بالكسر أولى منها في جمع فعال بالفتح كفدان وأفدنة . وفي قصيد كعب بن زهير :

                                                          ‏تمر مثل عسيب النخل ذا خصل     بغارب لم تخونه الأحاليل

                                                          الأحاليل‏ : جمع إحليل ، وهو مخرج اللبن من الضرع ، وتخونه‏ : تنقصه ، يعني أنه قد نشف لبنها ، فهي سمينة لم تضعف بخروج اللبن منها . والإحليل يقع على ذكر الرجل وفرج المرأة . ‏ * ومنه حديث ابن عباس " أحمد إليكم غسل الإحليل " أي غسل الذكر . * وفي حديث ابن عباس " إن حل لتوطي الناس وتؤذي وتشغل عن ذكر الله تعالى " حل‏ : زجر للناقة إذا حثثتها على السير‏ : أي أن زجرك إياها عند الإفاضة عن عرفات يؤدي إلى ذلك من الإيذاء والشغل عن ذكر الله تعالى ، فسر على هينتك .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية