الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور

                                                                                                                                                                                                                                      اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد بعدما بين حال الفريقين في الآخرة شرح حال الحياة الدنيا التي اطمأن بها الفريق الثاني وأشير إلى أنها من محقرات الأمور التي لا يركن إليها العقلاء فضلا عن الاطمئنان بها وأنها مع ذلك سريعة الزوال وشيكة الاضمحلال حيث قيل: كمثل غيث أعجب الكفار أي: الحراث. نباته أي: النبات الحاصل به. ثم يهيج أي: يجف بعد خضرته ونضارته. فتراه مصفرا بعد ما رأيته ناضرا مونقا، وقرئ "مصفارا" وإنما لم يقل: فيصفر إيذانا بأن اصفراره مقارن لجفافه وإنما المترتب عليه رؤيته كذلك. ثم يكون حطاما هشيما متكسرا، ومحل الكاف قيل النصب على الحالية من الضمير في "لعب" لأنه في معنى الوصف، وقيل: الرفع على أنه خبر بعد خبر "للحياة الدنيا" بتقدير المضاف أي: مثل الحياة الدنيا كمثل ...إلخ، وبعد ما بين حقارة أمر الدنيا تزهيدا فيها وتنفيرا عن العكوف عليها أشير إلى فخامة شأن الآخرة وعظم ما فيها من اللذات والآلام ترغيبا في تحصيل نعيمها المقيم وتحذيرا [ ص: 211 ] من عذابها الأليم، وقد ذكر العذاب فقيل: وفي الآخرة عذاب شديد لأنه من نتائج الانهماك فيما فصل من أحوال الحياة الدنيا. ومغفرة عظيمة. من الله ورضوان عظيم لا يقادر قدره. وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور أي: لمن اطمأن بها ولم يجعلها ذريعة إلى الآخرة، عن سعيد بن جبير " الدنيا متاع الغرور إن ألهتك عن طلب الآخرة فأما إذا دعتك إلى طلب رضوان الله تعالى فنعم المتاع ونعم الوسيلة".

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية