الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( والجمل والناقة ) قال أهل اللغة إنما يقال جمل وناقة إذا أربعا فأما قبل ذلك فقعود وقلوص وبكر ا هـ وحينئذ فهل تعتبر هذه الأسماء ولا يتناول أحدها الآخر عملا باللغة أو ما عدا الفصيل الذكر يشمله الجمل ، والأنثى تشمله الناقة للنظر فيه مجال والذي يتجه أخذا مما مر وسأذكره أنه إن عرف عرف عام بخلاف اللغة عمل به وإلا فيها واقتضاء كلام غير واحد من الشراح وغيرهم الثاني أعني ما عدا الفصيل في إطلاقه نظر ظاهر ( يتناولان البخاتي ) بتشديد الياء وتخفيفها ( والعراب ) السليم والصغير وضدهما لصدق الاسم عليهما ( لا أحدهما الآخر ) فلا يتناول الجمل الناقة وعكسه لاختصاصه بالذكر وهي بالأنثى فمن ثم لم تتناول البعير قال الزركشي والظاهر الجزم به ( والأصح تناول بعير ناقة ) وغيرها من نظير ما مر في الشاة ؛ لأنه اسم جنس ومن ثم سمع حلب بعيره إلا الفصيل وهو ولد الناقة إذا فصل عنها ( لا ) بغلة ذكرا ولا ( بقرة ثورا ) بالمثلثة ولا عجلة وهي ما لم تبلغ سنة للعرف العام .

                                                                                                                              وإن اتفق أهل اللغة على إطلاقها عليه ؛ لأنه لم يشتهر عرفا ( والثور ) أو الكلب أو الحمار أو البغل مصروف ( للذكر ) فقط [ ص: 44 ] لذلك وزعم بعض اللغويين في نحو الحمار والجمل والبغل أنه يطلق عليهما شاذ أو خفي وإن بني على ذلك أنه لو حلف لا يركب بغلا أو بغلة حنث في كل بهما ، وأن بغلته صلى الله عليه وسلم الشهباء المسماة بالدلدل الباقية إلى زمن معاوية أنثى كما أجاب به ابن الصلاح أو ذكر كما نقل عن إجماع أهل الحديث ، ويدل له قوله صلى الله عليه وسلم ابرك دلدل ولم يقل ابركي وأن نملة سليمان أنثى أو ذكر ، وزعم أن تاء قالت تدل على التأنيث رده أبو حنيفة ونقل أنه القائل به ووجه الرد أنه تأنيث لفظي كتاء جرادة وشاة وفي القاموس الفرس الذكر والأنثى وهو فرسة وقضية فرسة أن الفرس في كلام الموصي للذكر ؛ لأنهم عللوا اختصاص نحو الحمار بالذكر بأنه يفرق بينه وبين الأنثى بالتاء ، ويحتمل أنه لهما فيتخير الوارث ويوجه بأن نحو حمارة مشهور فاقتضى حذف التاء اختصاص محذوفها بالذكر ولا كذلك الفرس ، وهذا أقرب ولا يتناول البقر جاموسا وعكسه على ما قاله جمع للعرف أيضا فلا ينافيه تكميل نصابها بها ولا عدهما في الربا جنسا واحدا .

                                                                                                                              لكن بحث الشيخان تناولها لها ولا بقر وحش نعم إن قال من بقري وليس له إلا بقر وحش دخل كالجواميس على الأول ، وإنما حنث من حلف لا يأكل لحم بقر بأكله لحم بقر وحشي ؛ لأن ما هنا مبني على العرف وما هناك إنما ينبني عليه إذا لم يضطرب وهو في ذلك مضطرب كذا ذكره شيخنا في شرح الروض وهو عجيب إذ قضيته بل صريحه تقديم العرف هنا على اللغة ، وإن اضطرب وهو بعيد جدا ؛ لأن معنى اضطرابه اختلافه باختلاف النواحي فأي مقدم منها ورعاية عرف الموصي يلزمه بإطلاقه منافاة لأكثر كلامهم ، والذي يتجه في الفرق كما يعلم مما هنا وثم أن اللغة ثم مقدمة على العرف إن اشتهرت وإلا فالعرف المطرد فالخاص بعرف الحالف وهي في البقر مشتهرة بشموله لبقر الوحش فعمل بها ثم ، وأما هنا فالعرف العام مقدم عليها وإن اشتهرت وهو قاض بتخصيص البقر بالأهلي فعمل به هنا فإن انتفى العرف العام فاللغة ما أمكن فالخاص ببلد الموصي فاجتهاد الوصي فالحاكم فيما يظهر فتأمله ، ويفرق بين البابين بأن الأمر هنا منوط بغير الموصي من الورثة والموصى له فنظرنا إلى ما يتعارفونه ليكون حجة على أحد الفريقين للفريق الآخر ، وثم منوط بالحالف فيما بينه وبين نفسه فأمرنا بالنظر لما هو الأصل وهو اللغة والحاصل أن التنازع هنا أوجب تقديم العرف العام ؛ لأنه القاطع له بواسطة أنه يغلب على الظن أن الموصي أراده ، وعدم التنازع ثم أوجب الرجوع للأصل ؛ لأنه لم يعارضه شيء ، ثم بعد العرف العام هنا واللغة ثم ألحقوا بكل ما يناسبه من المراتب [ ص: 45 ] المذكورة

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله في إطلاقه نظر ظاهر ) بقي أنه على النظر لو لم يكن عنده إلا ما ذكر فينبغي الثاني ، وأنه لو لم يكن عنده إلا الفصلان فلا يبعد الإعطاء منهم إذ غاية الأمر أن الإطلاق عليهم مجاز والانحصار فيهم يصلح قرينة عليه ( قوله في المتن لا أحدهما الآخر ) هل ولو لم يوجد إلا أحدهما وقد عبر بالآخر وأضافه إليه ( قوله فمن ثم إلخ ) تتأمل فائدته ( قوله وإن اتفق أهل اللغة على إطلاقها ) أي البقرة عليه أي على الثور ولو قال من بقري ولم يكن له إلا الأثوار ، وكان عارفا باللغة فيتجه الحمل على الأثوار بل [ ص: 44 ] قد يتجه ذلك أيضا حينئذ ، وإن لم يكن عارفا ( قوله وإن بنى على ذلك إلخ ) انظر البناء في حنثه في بغلة بالذكر مع أنه لم يذكر بغلة في المبني عليه إلا أن يقال قوله يشمله ( قوله لكن بحث الشيخان إلخ ) جزم به الروض ( قوله كذا ذكره شيخنا في شرح الروض وهو عجيب إلخ ) اقتصر م ر على ما في شرح الروض ( قوله ويفرق بين البابين إلخ ) [ ص: 45 ] إذا تأملت هذا الفرق وحاصله الآتي ظهر لك أنه كان مقتضاه أن نقدم هنا بعد العرف العام العرف الخاص لا اللغة ؛ لأنه أقطع للنزاع وأقرب إلى إرادته من اللغة بل قد يقال كان مقتضاه تقديم العرف الخاص على العام



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله إذا أربعا ) أي دخلا في السنة السادسة ا هـ ع ش عبارة القاموس يقال أربعت الغنم إذا دخلت في السنة الرابعة وأربعت ذات الحافر في الخامسة وذات الخف في السابعة ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله أو ما عدا الفصيل إلخ ) مبتدأ خبره قوله يشمله الجمل ، والجملة عطف على جملة تعتبر هذه الأسماء إلخ ، وقوله الذكر نعت ما عدا الفصيل وقوله والأنثى إلخ عطف على قوله الذكر إلخ ( قوله مما مر ) أي في شرح وكذا ذكر في الأصح وقوله وسأذكره أي في شرح والثور للذكر ( قوله أعني ما عدا الفصيل ) أي إلى آخره ( قوله في إطلاقه نظر إلخ ) بقي أنه على النظر لو لم يكن عنده إلا ما ذكر فينبغي الثاني ، وإن لم يكن عنده إلا الفصلان فلا يبعد الإعطاء منهم إذ غاية الأمر أن الإطلاق عليهم مجاز والانحصار فيهم يصلح قرينة عليه ا هـ سم ( قول المتن البخاتي ) واحدها بختي وبختية وهي جمال طوال الأعناق مغني وسيد عمر ( قوله بتشديد الياء ) إلى قوله وزعم بعض في النهاية إلا قوله أو البغل وكذا في المغني إلا تعريف الفصيل والعجلة .

                                                                                                                              ( قوله السليم إلخ ) عبارة المغني والسليم إلخ بالواو ( قوله لصدق الاسم ) أي اسم الجمل والناقة عليهما أي البخاتي والعراب ( قول المتن لا أحدهما الآخر ) هل ولو لم يوجد إلا أحدهما ولو عبر بالآخر وأضافه إليه ا هـ سم ( قوله وهي ) أي الناقة ( قوله فمن ثم لم تتناول البعير ) يتأمل فائدته سم ورشيدي عبارة ع ش يتأمل مع ما بعده فإن البعير شامل للذكر والأنثى فلا معنى لعدم تناول الناقة الخاص بالأنثى لمطلق البعير الشامل لها وللذكر إلا أن يقال مراده بالبعير الذكر وفيه ما فيه لفهمه من قوله فلا يتناول إلخ ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله سمع ) أي من العرب حلب بعيره وصرعني بعيري ا هـ مغني ( قوله إلا الفصيل ) استثناء من قوله وغيرها ( قوله وهو ولد الناقة إذا فصل عنها ) يتأمل إلى متى يستمر هذا الإطلاق وما حكم ولدها قبل هذه المرتبة والذي يظهر في الثاني عدم دخوله بالأولى ا هـ سيد عمر عبارة ع ش قوله إذا فصل عنها أي ولم يبلغ سنة ، وإلا سمي ابن مخاض أو بنتها ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله على إطلاقها ) أي البقرة عليه أي على الثور ولو قال من بقري ولم يكن له إلا [ ص: 44 ] الأثوار وكان عارفا باللغة فيتجه الحمل على الأثوار بل قد يتجه ذلك أيضا حينئذ ، وإن لم يكن عارفا ا هـ سم ( قوله لذلك ) أي للعرف ا هـ ع ش .

                                                                                                                              ( قوله يطلق عليهما ) أي الذكر والأنثى ( قوله وإن بني ) ببناء المفعول ( قوله أنه لو حلف لا يركب إلخ ) انظر البناء في حنثه في بغلة بالذكر مع أنه لم يذكر بغلة في المبني عليه إلا أن يقال قوله يشمل ذلك ا هـ سم ويجري نظيره في قول الشارح الآتي وأن نملة إلخ ( قوله في كل ) أي من الحلفين بهما أي بالذكر والأنثى ( قوله وأن بغلته إلخ ) كقوله الآتي وأن نملة إلخ عطف على قوله أنه لو حلف إلخ أي وبني على ذلك التردد فيما ذكر يعني لو لم يصح الإطلاق عليهما لتعين اختصاص ما ذكر بالأنثى بلا تردد فيه ( قوله كما أجاب به ابن الصلاح ) أي حين سئل عنه أذكر هو أم أنثى ا هـ كردي ( قوله وزعم إلخ ) مبتدأ خبره قوله رده إلخ وقوله أن تاء قالت أي في الآية وقوله على التأنيث أي تأنيث نملة سليمان ( قوله أنه ) أي أبا حنيفة القائل به أي بكون نملة سليمان أنثى ( قوله ويحتمل أنه لهما ) لعله أوجه ويوجه بأن مرادهم في مسألة الحمار أنه لا يطلق على الأنثى إلا مع التاء ، وهذا دليل واضح على تخصيص المجرد بالذكر بخلاف الفرس فإنه قد ثبت إطلاقه عليهما ، وإن أطلق على الأنثى أيضا فرسة .

                                                                                                                              وقول الشارح ويوجه إلخ محل تأمل ا هـ سيد عمر ( قوله ولا كذلك الفرس ) لعل المناسب الفرسة بالتاء ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله لكن بحث الشيخان إلخ ) جزم به في الروض ا هـ سم وكذا جزم به النهاية والمغني ( قوله تناولها لها ) أي تناول البقر للجاموس وسكت الشارح كالمغني عن العكس ، وذكره النهاية عبارته ويتناول البقر جاموسا وعكسه كما بحثاه بدليل تكميل نصاب أحدهما بالآخر وعدهما في الربا جنسا واحدا ا هـ ورده ع ش بما نصه قوله ويتناول البقر جاموسا خلافا لحج وهو الأقرب وقوله وعكسه قد يمنع بأن اسم الجاموس لا يتناول العراب المسماة في العرف بالبقر بخلاف تناول البقر للجواميس فإن البقر جنس العراب والجواميس على أنه لو نظر لتكميل نصاب أحدهما بالآخر لقيل بتناول الضأن المعز وعكسه ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله نعم ) إلى قوله وهو عجيب في النهاية والمغني إلا قوله كالجواميس على الأول ( قوله على الأول ) أي قول الجمع ( قوله : لأن ما هنا ) أي في الوصية وقوله وما هناك أي في الأيمان ( قوله كذا ذكره شيخنا في شرح الروض ) اقتصر النهاية والمغني على ما في شرح الروض كما أشرنا إليه آنفا .

                                                                                                                              ( قوله هنا ) أي في الوصية ( قوله إن اللغة ثم مقدمة على العرف إن اشتهرت ) هذا ربما يخالف ما اشتهر أن الأيمان مبنية على العرف ا هـ رشيدي ( قوله وإلا فالعرف إلخ ) أي وإن لم تشتهر اللغة فيقدم العرف إلخ ( قوله وهي ) أي اللغة ( قوله وأما هنا فالعرف العام مقدم إلخ ) خالفه النهاية عبارته أن ما أجمله الموصي يحمل على اللغة ما أمكن وإلا فالعرف العام ثم الخاص إلخ قال الرشيدي قوله ما أمكن شمل ما إذا خفيت فتقدم على العرف الخاص إذ لا يرجع إليه لا إذا لم تمكن كما علم من قوله وإلا إلخ ، وهذا يخالف ما مر آنفا ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله ويفرق بين البابين [ ص: 45 ] إلخ ) إذا تأملت هذا الفرق وحاصله الآتي ظهر لك أنه كان مقتضاه أن يقدم هنا بعد العرف العام العرف الخاص لا اللغة ؛ لأنه أقطع للنزاع وأقرب إلى إرادته من اللغة بل قد يقال كان مقتضاه تقديم العرف الخاص على العام ا هـ سم أقول قوله إذا إلخ في غاية الاتجاه نعم قوله بل قد يقال إلخ محل تأمل إذ العام مطرد فهو لا يجامع الخاص اللهم إلا أن يدعى أنه مشترك في بلد الخاص بينه وبين العام ، وقد يقال لا تقديم حينئذ إلا بالقرينة ا هـ سيد عمر ( قوله المذكورة ) أي آنفا




                                                                                                                              الخدمات العلمية