السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شكرا لكم على ما تقدمونه للجميع من مساعدات وتوجيهات، بارك الله فيكم.
سأبدأ بالشيء الأهم: العمر 19، غير متزوج، وفي الحقيقة لدي مشاكل كثيرة في حياتي ترددت في طرحها إلا أنها في الآونة الأخيرة وصلت لدرجة خطيرة، فقررت بأن أطرح المشكلة بكل صراحة راجيا من الله ثم منكم مساعدتي.
في السابق كنت أفشل في شيء وأنجح في شيء، وأستاء كثيرا، أما الآن فقد فشلت في كل شيء! وأقصد بكل شيء جميع الجهات: الصلاة، العائلة، وكل شيء.
عندما ينظر أحد إلي يظن بأني شخص متدين، بينما في الواقع أنني أعيش حياة أخرى بعيدة كل البعد عن الدين –وللأسف- مع أنني أقولها دائما: لست بذاك المتدين.
الصلاة لا أدري ما السبب الذي يقول لي دائما: الصلاة لا فائدة منها؟! وأفكار أخرى غير هذه الفكرة تدور في عقلي، ومنها: الله ما استجاب لك ولم يحقق ما أردته...الخ.
دعوت الله أن يهديني، دعوت الله أن يرزقني، دعوت الله أن يغير حياتي للأفضل، ولم أر شيئا سوى أن حالتي الآن تزداد سوءا! والآن تأتي أيام بدون صلاة وتأتي أيام أصليها.
جهة أخرى: العائلة لا يوجد أحد يدعمني معنويا غير التحطيم، وعندما رسبت في مادة وحملتها قالوا: اخرج من الجامعة، وابحث عن وظيفة؛ فأنت فاشل! وعندما أنجح يقولون: لن تفلح مستقبلا، والآن بسببهم نزل مستواي.
دائما أشعر بالوحدة فليس لدي أي إخوة سوى أخت كبيرة وتعيش بعيدة عنا، ودائما أنظر إلى الذين لهم إخوان، وأتمنى أن يكون لدي أخ، فلا يوجد سوى أبي وأمي في البيت، وأشعر بالوحدة، وأحيانا أبكي من غير سبب كالطفل تماما.
أشعر بأني وحيد في الكون، لا أعلم ما المشكلة التي لدي؟ لكن هناك شيء واحد أشعر أني لو أصلحته لصلح كل شيء، لكني بحثت وبحثت ولم أجد شيئا.
أعانني الله.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ khalid حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نسأل الله أن يفرج كربك، وأن ييسر عسيرك، وأن يذلل لك الصعاب، وأن يلهمك طريق الصواب، وأن يرشدك إلى الحق، وأن يأخذ بناصيتك إليه.
وأما بخصوص ما تفضلت به فإنا نحب أن نجيبك من خلال ما يلي:
أولا: ثق تماما -أخي الحبيب- أننا نتفهم مشاعرك، ونتفهم كذلك طبيعة الغربة التي وجدتها جراء فقدك أخا تتحدث إليه أو تشكو إليه، بالإضافة إلى ما تعانيه من جراء تدني مستواك الدراسي، وبعدك عن التدين الصحيح كان له عامل سلبي آخر، نحن أخي نتفهم هذا كله.
ثانيا: هناك أمور لا بد من التأكيد عليها قبل الجواب:
1- النظرة إلى أبويك، اعلم -أخي الحبيب- أن لا أحد في الوجود أحرص عليك ولا أحن عليك ولا تهمه مصلحتك ولو على حساب راحته إلا أبواك، قد يكون توجيههم إليك فيه لونا من ألوان الحدة، غير أنها حدة الحبيب، حدة الشفيق، لا يجب أن تفسرها عكس ذلك.
2- الصلاة صلة بينك وبين الله، وهي الوحيدة القادرة على تغيير نمطك العاطفي؛ لأنها تشبعه، غير أن الصلاة المجردة لا تجعلك طالبا متفوقا ما لم تجتهد وتتعب وتذاكر وتحصل، فالله لا يحابي أحدا، ولا يظلم ربك أحدا، من جد وجد، ومن زرع حصد.
3- ليس السبب في تدني مستواك حديث أبويك، لأنهم ما تحدثوا إلا بعد الرسوب، فلا تحمل أخطاءك على غيرك، واعلم أن البداية الصحيحة تكون منك أنت.
4- لست وحدك -أخي الحبيب- الذي ولد وليس له أخ، بل كثير من العباقرة كانوا بلا إخوة مطلقا، والعاقل هو من يستفيد من واقعه؛ ليتجاوز ما هو فيه.
ثالثا: إننا ننصحك -أخي الحبيب- بالبدء من جديد، والوضوح التام مع نفسك، وعدم تحميل غيرك أخطاءك.
رابعا: لا بد من اكتساب الثقة بالنفس، وهي إحساس داخلي تستشعر به فيترجم إلى مواقف ثابتة وحركات مستقيمة، وأهم فائدة في الثقة بالنفس أنها تجعل منك إنسانا طبيعيا، بل والأجمل أنه يتقبل النقد بكل أريحية.
خامسا: حتى تكتسب الثقة؛ لا بد من الحذر من ثلاثة أمور:
- تهويل الأمور، وتضخيم المواقف، بحيث تشعر أن من حولك يركزون على ضعفك، ويراقبون كل حركة غير طبيعية تقوم بها، هذا وهم، وعلاجه هو الانشغال بالأهداف والتغافل عن سفاسف الأمور.
- اعتبار نقد الناس لك هو المعيار الحقيقي لصوابك أو خطأك، هذا خلل خطير، فالمعيار الحقيقي هو الأصول والمبادئ المتعارف عليها شرعا، وليس حديث الناس.
- كثرة التفكير في كل انتقاد يوجه إليك، وهذا أيضا خطأ؛ لأن كل إنسان له ثقافته ورؤيته، وليس كل كلام الناس صوابا، كما أن أفعالك كلها ليست صوابا، والاستسلام لكلام الناس واعتبار حديثهم أمرا مقدسا له تبعاته السلبية، كما أن تجاهل نصائحهم له كذلك تبعات سلبية.
سادسا: اعلم أنك لن تجد الهدوء الذي تنشده إلا في مساجد الله عز وجل، وفي القرب من الله عز وجل، والشيطان يعلم ذلك ويجتهد في صدك عنه، الزم الصلاة، واحرص على إيجاد رفقة مأمونة من رفقاء المساجد، ونحن على ثقة أن أمورا كثيرة ستتغير في حياتك.
نسأل الله أن يبارك فيك، وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يرضيك به.
والله الموفق.