السؤال
السلام عليكم
أنا شاب، عمري 17 سنة، وللأسف لا أصلي بانتظام، وعندي فكرة أنه لم يبق في الناس طيبون أبدا، حتى أنا أيضا أعمل أشياء سيئة، ولكن أتوب وأرجع، وعندي فكرة أننا سندخل النار، وأننا شرار الخلق! هل لو تبت لربنا سيقبل توبتي؟
السلام عليكم
أنا شاب، عمري 17 سنة، وللأسف لا أصلي بانتظام، وعندي فكرة أنه لم يبق في الناس طيبون أبدا، حتى أنا أيضا أعمل أشياء سيئة، ولكن أتوب وأرجع، وعندي فكرة أننا سندخل النار، وأننا شرار الخلق! هل لو تبت لربنا سيقبل توبتي؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ مصطفى حفظه الله.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلا بك في موقعك إسلام ويب، وإنا سعداء بتواصلك معنا، ونسأل الله أن يحفظك من كل مكروه، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يرضيك به، وبخصوص ما تفضلت بالسؤال عنه فإننا نحب أن نجيبك من خلال ما يلي:
أولا: اعلم -أخي الحبيب الفاضل- أن باب التوبة مفتوح، ونحن نقول لك: ومن يحول بينك وبين الله. تلك مقولة العالم حين استفتاه رجل أسرف على نفسه حتى قتل مائة نفس، قال له: (ومن يحول بينك وبين الله). ونحن نكررها لك، أنت عبد وهو رب، وطبيعة العبد الخطأ والعودة إلى الله مع الندم والعزم على عدم العودة، وقد وعد الرب الرحيم بقبول توبة التائبين ومغفرة ذنوبهم متى ما حسنت توبتهم واستقام سلوكهم.
التوبة كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: الندم، ومعناها الرجوع عما يكرهه الله من العبد ظاهرا وباطنا، وهو الهداية الواقية من اليأس والقنوط، وهي أول المنازل وأوسطها وآخرها كما قال ابن القيم، وهي بداية العهد وخاتمته، وهي ترك الذنب مخافة الله عز وجل، وهي استجابة لأمر الله طاعة لأمر ربك سبحانه وتعالى: {يا أيها الذين ءامنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا} وهي سبب لفلاحك في الدنيا والآخرة، قال تعالى: {وتوبوا إلى الله جميعا أيه المؤمنون لعلكم تفلحون}، وهي الجالبة لمحبة الله لك، قال تعالى: {إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين}، وهي سبب لدخولك الجنة ونجاتك من النار، قال تعالى: {فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا، إلا من تاب وءامن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا}.
وهي الجالبة لنزول البركات من السماء، وزيادة القوة والإمداد بالأموال والبنين، قال تعالى: {ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين} وهي من أسباب تكفير سيئاتك وتبديلها إلى حسنات، قال سبحانه: {إلا من تاب وءامن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما}.
ثانيا: تأكد أن الله يقبل التوبة من عباده، بل يفرح ربنا لتوبة عبده، فعن أبي حمزة أنس بن مالك الأنصاري خادم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم سقط على بعيره وقد أضله في أرض فلاة) متفق عليه. وفي رواية لمسلم: (لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها، وقد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك إذ هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح) وهذا يثبت لك سعة رحمة الله بنا، فأمل في الله خيرا.
واعلم أن الله كريم غفور رحيم، وهو القائل جل شأنه: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له}والتعبير بقوله جل شانه: {لا تقنطوا من رحمة الله} يدل على سعة رحمة الله، وعدم يأس المؤمن من رحمة الله جل وعز. فبادر بالتوبة إلى الله، وأقبل على ربك، ولا تيأس من رحمة الله.
ثالثا: اعلم أن الحل بيدك بعد توفيق الله، وليس بيد غيرك، إن كنت صادقا مع الله حقا فالتوبة أولا، والاحتماء بالله ثانيا، وقطع كل وسيلة تؤدي إلى تلك المعصية، ابحث في أسبابها، واجتهد في إزالة تلك الأسباب، وستجد العون من الله.
رابعا: احذر وأنت في طريقك إلى الله من اليأس، احذر أن يصور لك الشيطان أن ما تفعله من معاص لا كفارة لها ولا منجاة منها، احذر أن يعظم الشيطان الحرام الذي فعلته؛ ليوهمك أنك قد ابتعدت عن الطريق المستقيم، ولن تصل مرة أخرى إليه، لا أخي، العودة قريبة إن شاء الله، ولعلك تأخذ مما مضى درسا لك في قابل حياتك تجنبك العثرات، وقد قال الشاعر:
ولرب نازلة يضيق بها الفتى * ذرعا وعند الله منها المخرج
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها * فرجت وكان يظنها لا تفرج
خامسا: تألمنا كثيرا حين علمنا أنك تتكاسل عن صلاتك، ونحن نريدك أن تعود إليها حبا فيها وصلة بربك، وحتى تصل إلى هذه المرحلة؛ ننصحك -أخي الحبيب- بما يلي:
1- اجتهد أن تبدأ الصلاة بشحن النفس جيدا، مستحضرا الآيات والأحاديث التي تقوي عزمك وتعينك على الأداء خاشعا لله محتسبا، ومن تلك الآيات:
- {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين}.
- {واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين}.
- {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين}.
- {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا}.
- {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون}.
- قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء؟) قالوا: لا يبقى من درنه شيء، قال: (فذلك مثل الصلوات الخمس، يمحو الله بهن الخطايا).
- وقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهن ما لم تغش الكبائر).
- وقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة) اكتب هذه الأحاديث، ومن قبلها الآيات في ورقة، أو علقها على الحائط أمامك، وداوم النظر إليها.
2- استحضر نعيم أهل الجنة، وجحيم العصاة من أهل النار كلما دعتك نفسك إلى التكاسل.
3- احرص على أن تقرأ في سير أهل العلم والصلاح، وكيف عبادتهم لله، خذ كتاب علو الهمة، وكتاب: الإيمان أولا فكيف نبدأ به. وكتاب سير أعلام النبلاء للذهبي، وكتاب رهبان الليل لحسين عفاني، هذه الكتب ستفتح لك آفاقا رحبة، وتحبب إليك الصلاة.
4- اعلم -أخي الحبيب- أنه لا عقوبة إلا بذنب، فأكثر من الاستغفار والتسبيح والذكر، فإن هذه من أعمال اللسان التي لا تتطلب وقتا مخصصا لها، ولكنها تفيد في صفاء القلب وخلوه من المعاصي والذنوب، فيمكن الإكثار منها في المواصلات وقبل النوم وفي كل حال.
5- افرض على نفسك عقوبة إيجابية لكل فرض تكاسلت عنه، المهم أن تكون عقوبة رادعة ومتحملة، فلا ترهق نفسك بعقوبة تقصم الظهر، ولا تجعلها هينة تعتاد عليها.
6- احرص على الصحبة الصالحة، فإن المرء بإخوانه، وإخوانه بدونه، وقد قالوا: الصاحب ساحب.
نسأل الله أن يوفقك لكل خير، وأن يقدر لك الخير حيث كان.
والله الموفق.