السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا فتاة في العشرينات من عمري، ابتليت بعدم الانتظام في الصلاة، ولكنني أحاول وأجاهد نفسي في كثير من الأوقات، أنتظم على الصلاة وحفظ القرآن، وبعد عدة أشهر أنتكس ولا أصلي، ولا أقرأ القرآن.
تقدم لي شاب منذ مدة، وتمت خطبتي، لاحظت أنه حسن الخلق، ومبتعد عن صحبة السوء، أهله ملتزمون بالصلاة، ووالدته منتقبة، وكذلك معظم أهل والدته من المنتقبات، وهو يحسن معاملتي ومعاملة الآخرين، لديه بعض العيوب بالطبع، لكن الشيء الذي يشغلني هو عدم انتظامه في الصلاة.
لقد قرأت عدة فتاوى أنه إذا كان الخاطب غير منتظم في صلاته فالأولى تركه، ولكني أحس أني إذا فعلت ذلك سيكون فعلا غير منطقي، وأشبه بالنفاق؛ لأني بالأساس غير منتظمة في الصلاة أيضا، وأجاهد نفسي، وأظن أن الفعل الصحيح أن أنصحه كما أنصح نفسي، وما دام على خلق فسيسمع نصحي.
فهل الأصح فعلا أن أنصحه ونجاهد سويا للصلاة؟ أم ماذا أفعل؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ رحمة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فأهلا بك -أختنا الكريمة- في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله الكريم أن يبارك فيك، وأن يحفظك من كل مكروه وسوء، وأن يرزقك الطاعة وما قرب إليه من عمل، إنه جواد كريم.
أختنا الكريمة: إن هذا السؤال يدل على خير فيك، ويدل على رغبة قوية في الإصلاح والصلاح، ونحن على يقين بأنك متى ما فهمت طبيعة الصلاة، وأنها لقاء المحبة والرحمة والود مع الله عز وجل، وسكنت بداخلك تلك الطمأنينة، فسوف يتغير حالك.
الشاب المتقدم لك ليس عنده مشاكل مع الصلاة، لكن عنده تكاسل، وقد ذكرت عنه من طيب الأخلاق وصلاح أهله ما يحفزنا إلى القول بأن إعانته إعانة لك، وصلاحه أقرب إليك، المهم التأكد من أن رغبة الصلاح قوية بداخله، وأنه يحتاج إلى من يأخذ بيديه إلى الحق، وليس من نافلة القول أن نقول لك: يجب عليك قبل الموافقة وبعد الاستشارة: صلاة الاستخارة، فما خاب عبد استخار الله تعالى في شيء.
أنت تحتاجين إلى أن تفهمي مقصد الصلاة، وطريقة التحفيز، وصولا إلى محبتها، وانتظارها بشوق ولهف، وهذا يحدث، لكن يحتاج إلى: ترهيب للنفس من تركها، وتحبيب لها على أدائها، والصبر على الطريق، وهذا ما سنفعله الآن، لذا نرجو أن تنتبهي لما نقوله:
أولا: لا يخفاك أن الصلاة عمود الدين وركنه القويم، وهي الفارقة بين الكفر والإيمان كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن بين الرجل وبين الكفر ـ أو الشرك ـ ترك الصلاة" أخرجه مسلم، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر"، وأهل العلم قد ذكروا أن تارك الصلاة لا حظ له في الإسلام؛ مستدلين بقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة".
وقد كان الصحابة -رضوان الله عليهم- كما قال عبد الله بن شقيق: "لا يرون من الأعمال شيئا تركه كفر إلا الصلاة".
هذا أختنا فيمن ترك الصلاة بالكلية، أما المتكاسل المضيع لحق الله فقد قال الله عنه: (فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون) [الماعون: 5]. وقد قيل إن الويل واد في جهنم بعيد قعره خبيث طعمه -نسأل الله السلامة والعافية-.
أختنا الكريمة: إن ترك الصلاة والتهاون فيها من المعاصي العظيمة، ومعلوم أن عقوبات المعاصي لها آثار سلبية على الفرد، ومن ذلك كما ذكر ابن القيم أنها: تزيل النعم الحاضرة، وتقطع النعم الواصلة، فتزيل الحاصل وتمنع الواصل، فإن نعم الله ما حفظ موجودها بمثل طاعته، ولا استجلب مفقودها بمثل طاعته، فإن ما عند الله لا ينال إلا بطاعته.
ومن عقوبة المعاصي أيضا: سقوط الجاه والمنزلة والكرامة عند الله، وعند خلقه، فإن أكرم الخلق عند الله أتقاهم، وأقربهم منه منزلة أطوعهم له، وعلى قدر طاعة العبد تكون له منزلته عنده، فإذا عصاه وخالف أمره سقط من عينه، فأسقطه من قلوب عباده.
ومن العقوبات التي تلحق تارك الصلاة: سوء الخاتمة، والمعيشة الضنك، لعموم قوله تعالى: (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى) [طه: 124].
ثانيا: إن الانتكاسة الحاصلة عندك -أختنا- لها أسباب، لكن مع الإرادة الصلبة، والتوجه الصادق، والدعاء والتضرع، تزول إن شاء الله، كما يجب أن ننبه على بعض الأمور، ومنها:
1- احذري التعامل مع الصلاة على أنها تكليف ثقيل عليك، بل تعاملي معها على أنها صلة وقربة بينك وبين الله، أن يكون اللقاء هدفه إشباع الجانب الروحي لديك، أن تكوني مع الصلاة كما قال رسول الله لبلال: "أرحنا بها يا بلال"، ويعينك على هذا استحضار عظم من بين يديه تقفين، ومن إذا طلبته أجابك، وإذا استنصرته نصرك، ومن من عليك بالنعم، وعافاك من كثير من النقم، بهذا يقوى هذا الجانب، أما إذا تعاملت على أنه تكليف وواجب تؤدينه؛ ستملين بعد قليل وتبتعدين بعد القرب.
2-احرصي على التعرف على بعض الأخوات الصالحات، واجعلي بينك وبينهن علاقة بحيث يعنك على الطاعة.
3- احذري من أصحاب السوء؛ فإنهم يزينون الباطل ويجرونك إلى المعاصي دون أن تشعري.
4- عاقبي نفسك: افرضي على نفسك عقوبة تفعلينها إذا أخرت الصلاة عن وقتها؛ كأن تصومي يوما، أو تتبرعي بمبلغ، أو تنظفي البيت يوما وحدك بلا معاون.
5- ابتعدي عن المعاصي؛ فالمعاصي قيد يثقلك عن العمل.
6- أكثري من الدعاء لنفسك أن يشرح الله صدرك للخير، وأن يوفقك للطاعة، وأن يتوب عليك، فالدعاء سر له أثره، وكذلك اجعلي والديك وأهل الصلاح يدعون لك.
وأخيرا: ننصحك بسماع شريط: لماذا لا تصلي للشيخ محمد حسين يعقوب، ففيه فائدة عظيمة، والعاقل لا يتوقف عن قطف الثمار أنى وجدها، فاحرصي على الاستماع مع التطبيق، ونسأل الله أن يسعدك وأن يبارك فيك، وأن يتقبل منك، والله الموفق.