السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كنت مخطوبة لرجل محترم يشهد له الناس بأخلاقه وتدينه، وهو كفء في عمله، وكان يحبني جدا ويتقي الله في.
تمت قراءة الفاتحة، وبعدها حدث خلاف كبير بين أمي وأهل هذا الخاطب حول الاتفاقات، وتطورت الأمور إلى مشادات كلامية انتهت بفسخ الخطبة.
حاولت أنا وهو إصلاح الأمور بطرق عديدة، ولم يتهاون أو يقصر، لكن للأسف أمي كانت سببا في إغلاق الموضوع كل مرة.
بعد ذلك توفي والده، ووصى قبل وفاته بساعات بعدم إتمام زواجنا، مع العلم أن والده ووالدته كانا يحبانني، ولم تكن بيني وبينهما أي مشاكل، لكن مشكلتهما الكبرى كانت مع أمي وتعنتها، وإهانتها لهما، وعدم محاولتها الصلح لعدة أشهر.
الآن والدته مصرة على تنفيذ وصية والده، وتحاول إبعاده عني، وتعرض عليه فتيات أخريات، فهو وحيدها وتريد أن تراه متزوجا، علما أن والدته حاولت مرات عديدة الصلح مع أمي، لكن أمي كانت صعبة جدا.
تقدم الآن لفتاة أخرى، وأخبرني أنه استخار الله في موضوعنا، وهو مرتاح لإغلاقه؛ لأنه يشعر أنه بين نارين: نار عقله، ورضا أهله، حيث قالت له والدته: "تزوجها، لكنني لن أكون أمك، ولا أعرفك، ولن أسامحك في حق والدك"، ونار قلبه الذي يتعلق بي، وفي النهاية طلب من الله بأن يعوضه خيرا، وسار في موضوع خطبته لفتاة أخرى، وإلى الآن لم يتم زواجه.
أنا مؤمنة بقضاء الله، ولا أعترض عليه، لكنني حزينة، وسؤالي هو:
- هل يجوز أن أدعو الله أن يرده لي ويصلح ذات بيننا، أم أن ذلك يعد اعتراضا على قدر الله؟
- وهل يمكن أن يرد الدعاء القدر؟ فأنا لم أتوقف عن الدعاء، ومع ذلك أجد الأبواب تغلق ويذهب لخطبة أخرى.
- هل أستمر في الدعاء، أم أنني أدعو بشيء ليس من نصيبي؟
- وهل يمكن أن تحدث معجزة من الله ترده لي وتعيدني إلى قلبه؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ رغدة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فأهلا بك -أختنا الكريمة- في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله الكريم أن يبارك فيك، وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يرضيك به، وبخصوص سؤالك: فاعلمي -أيتها المباركة- ما يلي:
أولا: نحن نتفهم ألمك، ونتفهم موقفك الحاد من والدتك، ونحن هنا لسنا للدفاع عنها، أو اتهامها لجهلنا بوجهة نظرها، وإنما نحاول أن نثبت لك أمرين هامين:
1- حب والدتك لك حب لا يعدله شيء في الحياة، هي تحبك أكثر من نفسها، وتريد الخير لك ولو على حساب سعادتها، وقد لا تدركين اليوم هذا الكلام، لكن غدا حين تتزوجين بأمر الله وتنجبين، ستدركين جيدا هذا المعنى، وهذا لا يعني أننا نصوب فعل الوالدة أو نخطئها، إنما نريد أن نؤكد على أن المحبة أصل فيها بلا تكلف.
2- ليس كل ما نراه صالحا هو صالح، ولا كل صالح في نفسه هو مناسب للزواج منه، هذه قاعدة محكمة، فالله وحده يعلم مدى صلاح الرجل زوجا لك من عدمه، ولعل الله تعالى علم أنه لا يصلح لك، فصرفه لهذه الأسباب، ولعل الله ادخر لك آخر هو أفضل لك منه، والله القائل: {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون}.
ثانيا: أنت -والحمد لله- متدينة، وتعلمين قطعا أن الزواج رزق مقسوم ومقدر، فمن قدره الله لك زوجا سيأتيك وأنت معززة مكرمة، فاطمئني، وذكري نفسك دائما بأن زوجك مقدر لك، ومكتوب باسمه ورسمه من قبل أن يخلق الله السموات والأرض، فقد قال ﷺ: (أول ما خلق الله القلم قال له: اكتب، فكتب مقادير كل شيء قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء)، وهذا الحديث يدفعك إلى الاطمئنان وعدم الجزع، فما كتبه الله لك سيكون، فأبشري وأملي في الله خيرا.
ثالثا: نحن لا ننصحك بالزواج من هذا الشاب حتى لو أراد هو لعدة أسباب، أهمها:
- أن البيت الذي يؤسس على معاندة الولد لأمه، أو البنت لأمها لا يدوم مستقرا، فهو يبنى على العقوق والقطيعة، وليست هذه حالة صحية أبدا، الزوج وإن لم يتحدث سيظل دائما ينظر إلى الزوجة على أنها هي التي فرقت بينه وبين أمه، وسيظل متحفزا، ومع أول خلاف قد يجعل حياة الزوجة جحيما، فلا هي قادرة على إتمام الزواج، ولا هي لا زالت بكرا مرغوبة للرجال، ولعل الله من واسع رحمته أن جنبك هذا الألم الذي تعيشه كثير من الأخوات.
رابعا: الدعاء (أختنا) نافع في كل حال، وهو مستجاب على الدوام، لكن وفق قواعد ذكرها النبي ﷺ لنا، وهي الخير لنا لا محالة، فقال: (ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم؛ إلا أعطاه بها إحدى ثلاث:
- إما أن يعجل له دعوته.
- وإما أن يدخرها له في الآخرة.
- وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها.
قالوا: إذا نكثر، قال: الله أكثر).
ونحن لا نوصيك بالتوقف عن الدعاء، ولكن نوصيك بعدم الدعاء بهذا الشاب تحديدا، اجعلي الدعاء عاما، قولي: (اللهم ارزقني الزوج الصالح الذي يسعدني في الدنيا والآخرة).
نسأل الله أن يحفظك من كل شر ومكروه، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يرضيك به، والله المستعان.