السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا طالبة في المدرسة، متفوقة، ومعدلاتي كانت دائما فوق 92، عندي بعض المشاكل من ناحية الدين، فأنا لا أصلي! كلما أحاول أن ألتزم بالصلاة لا يمكنني أن أكمل، فهل هناك حل؟
وهل هناك علاقة فيما بين عدم صلاتي، وقلة تركيزي، وعدم فهمي للمعلومة؟
عندما أحاول أن أقرأ القرآن أشعر بنار في صدري كاللهب، وأشعر بنعاس شديد، فهل أنا محسودة أو مسحورة؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ جنى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلا بك -أختنا الكريمة- في موقعك "إسلام ويب"، وإنا سعداء بتواصلك معنا، ونسأل الله أن يحفظك من كل مكروه، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يرضيك به، وبخصوص ما تفضلت بالسؤال عنه فإننا نحب أن نجيبك من خلال ما يلي:
أولا: دعينا ابتداء نتحدث عن المشكلة الأهم والأخطر والتي يتفرع عنها كثير مما ذكرت، وهي عدم الالتزام بالصلاة، إذا كيف يسعد الإنسان أو يهنأ وحبل الصلة التي بينه وبين الله مقطوع، نسأل الله أن يصل ما انقطع إنه جواد كريم.
ثانيا: إن الاستشعار بأهمية الصلاة، ووجود الدافع إليها لا بد أن يسبقه استنهاض للإيمان المخدر بداخلك، حتى يزداد هذا المعدل، فتنصلح بذلك الحياة، وحتى يزداد الإيمان لا بد مما يلي:
1- التعرف إلى الله الخالق الذي نعبده: أول ما يزيد معدل الإيمان عندك التعرف على الله بالعلم الصحيح، فأهل العلم هم أكثر الناس خشية لله، قال تعالى: {إنما يخشى الله من عباده العلماء}، فالعلم طريق للخشية، بل هو أصل الخشية، كما قال الإمام أحمد: "أصل العلم الخشية".
2- النظر والتأمل والتفكر في آيات الله المنظورة -الكون ومخلوقاته جل شأنه-، قال تعالى: {إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب}، وقال أيضا: {قل انظروا ماذا في السموات والأرض وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون}، والتفكر عبادة جليلة القدر عظيمة النفع، يقول عامر بن عبد قيس: "سمعت غير واحد ولا اثنين ولا ثلاثة من أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- يقولون: "إن ضياء الإيمان، أو نور الإيمان التفكر".
3- التعايش مع كتاب الله فهما وتدبرا وتذوقا: وهذه صفات المؤمنين، كما قال الله عنهم: {وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا}، يقول ابن القيم -رحمه الله-: "قراءة آية بتفكر وتفهم خير من قراءة ختمة بغير تدبر وتفهم، وأنفع للقلب، وأدعى في حصول الإيمان، وذوق حلاوة القرآن".
4- ذكر الله على كل حال: دائما -أختنا- اجعلي لسانك رطبا بذكر الله، والاستغفار، والتسبيح، قال صلى الله عليه وسلم: "مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت".
5- مخالفة الهوى بتقديم ما يحبه الله ورسوله، قال صلى الله عليه وسلم: "ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار".
6- الاجتهاد في حضور المجالس التي يذكر فيها الله -عز وجل-، فإن لم تقدري فالحرص على رفقة صالحة يذكرون الله -عز وجل-، وقد كان ديدن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الحرص على مثل هؤلاء الرجال، كان معاذ بن جبل يقول لأصحابه إذا جلس مع أحد منهم: "اجلس بنا نؤمن ساعة"، فالصاحب كما قيل ساحب، وقد قال الشاعر:
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه --- فكل قرين بالمقارن يقتدي
وقال آخر:
فصاحب تقيا عالما تنتفع بـه --- فصحبة أهل الخير ترجى وتطلب
وإياك والفسـاق لا تصحبنهم --- فقربهم يعدي وهذا مجــرب
فإنا رأينا المرء يسرق طبعه --- من الألف ثم الشر للناس أغلب
7- الابتعاد عن المعاصي؛ لأنه سبب في نقصان الإيمان، فعن حذيفة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا، فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء حتى تصير على قلبين، على أبيض مثل الصفا، فلا تضره فتنة ما دامت السموات والأرض، والآخر أسود مربادا كالكوز مجخيا، لا يعرف معروفا، ولا ينكر منكرا، إلا ما أشرب من هواه" رواه مسلم، ومربادا: أي مخلوطا حمرة بسواد، وكالكوز مجخيا: أي كالكأس المنكوس المقلوب الذي إذا انصب فيه شيء لا يدخل فيه.
وقد قال ابن المبارك:
رأيت الذنوب تميت القلوب --- وقد يورث الذل إدمانها
وترك الذنوب حياة القلوب --- وخير لنفسك عصيانها
8: الحرص على أداء ما افترض الله، والإكثار من النوافل (من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر فيه، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعـطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه).
9- معرفة مآل المرء في الآخرة، والقراءة عن الجنة وما أعد الله فيها، والنار وما أعد الله لأهلها، كل هذه تحفيز للنفس، واستدعاء للقلب أن يتيقظ، فإن استيقظ القلب وعظمت المحبة كانت الصلاة ألذ ما عندك في الحياة، واستشعرت ساعتها قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أرحنا بها يا بلال).
ثالثا: السحر والحسد والعين كل هذا موجود، ولكنه لا يقع إلا -بإذن الله تعالى-، وما يحدث معك لا يدل على الوجود كما لا ينفي؛ ولذا نحن ندعوك إلى ما يلي:
1- الرقية بهذه الآيات:
1. الفاتحة.
2- الكرسي.
3- الإخلاص.
4- المعوذتان
5- آيتان في نهاية سورة البقرة.
2- قراءة سورة البقرة كل ليلة في البيت، فإن لم تستطيعي فعلى الأقل سماعها كل ليلة، المهم أن يكون ذلك كل ليلة، ولا بد من الصبر والاستمرار -أختنا الفاضلة-.
ثالثا: المحافظة على الأذكار والأوراد الثابتة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ويمكنك الاستعانة بكتاب (حصن المسلم من أذكار الكتاب والسنة).
رابعا: الرقية على الماء وصبها عليك، فهي نافعة -بإذن الله تعالى-.
فقد ذكر ابن القيم أثرا في ذلك عن أبي حاتم عن ليث بن أبي سليم قال: (بلغني أن هؤلاء الآيات شفاء من السحر -بإذن الله-، تقرأ في إناء فيه ماء، ثم يصب على رأس المسحور)، والآيات هي قوله تعالى: (فلما ألقوا قال موسى ما جئتم به السحر إن الله سيبطله إن الله لا يصلح عمل المفسدين) [يونس81]، وقوله: (فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون) [الأعراف 118إلى120]، وقوله: (إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى) [طه69].
وقد قال الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- حين سئل عن ذلك: ثبت في سنن أبي داود أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قرأ في ماء في إناء وصبه على المريض، وبهذا يعلم أن التداوي بالقراءة في الماء وصبه على المريض ليس محذورا من جهة الشرع إذا كانت القراءة سليمة، ثم الاستمرار على ذلك -أختنا- مع الصبر واليقين بالله هو الطريق لعلاج ما أنتم فيه.
- اعلمي أختنا أن الرقية بدون أداء ما افترض الله عليك من صلاة؛ كالصلاة بدون وضوء، فراجعي إيمانك - هداك الله-.
رابعا: بالطبع -أختنا- هناك تأثير للمعصية على التحصيل العلمي، وقد نسب إلى الشافعي قوله:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي
فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأخبرني بأن العلم نور
ونور الله لا يهدى لعاصي
نسأل الله أن يصرف عنك ما ألم بك، والله الموفق.