السؤال
لما قرأت بعض أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم تصف صفات المنافقين، شعرت أنها توجد في، لأني لا أجد الإخلاص في قلبي كما كنت أجده قبل سنوات، لا أصلي جميع الصلوات إذا كنت وحيدا، وإذا كان أحد معي ويذكرني بالصلاة أصليها، وأشعر أنني مخطئة، وأنني مسيئة. فهل يوجد أي دعاء حتى يرجع إخلاصي في قلبي، وإذا لم يكن أي دعاء فما ذا أفعل، لأني أكره نفسي على ما أفعل؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الإخلاص شأنه عظيم، قال الله تعالى: وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة [البينة:5]. ولا يقبل الله من العمل إلا ما كان له خالصا، قال تعالى: ألا لله الدين الخالص [الزمر:3].
ويقول النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث القدسي الذي رواه مسلم وابن ماجه عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه. ويقول صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم: من سمع سمع الله به، ومن راءى راءى الله به.
ومما يعين على الإخلاص:
1- استحضار عظمة الله، وأن النفع كله بيده، فإن حياة الإنسان وصحته وهواءه وماءه وأرضه وسماءه بيد الله، وليس لأحد تصرف في صغير ولا كبير حتى يقصد بالعمل أو بشيء منه، قال الله تعالى: إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم [الأعراف:194]. وقال تعالى: ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير [فاطر:13-14].
2- مجاهدة النفس على الإخلاص، فقد قال تعالى: والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين [العنكبوت:69].
3- العلم بخطر الرياء، فقد حذر الله منه بقوله: ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين [الزمر:65].
4- أن تستعين بدعاء الله سبحانه بأن يوفقك للإخلاص، وقد علمنا النبي -صلى الله عليه وسلم- دعاء نتخلص به من الرياء، فقد روى الإمام أحمد عن أبي موسى الأشعري قال: خطبنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم، فقال: أيها الناس: اتقوا هذا الشرك، فإنه أخفى من دبيب النمل، فقال له من شاء الله أن يقول: وكيف نتقيه؟ وهو أخفى من دبيب النمل يا رسول الله، قال: قولوا: اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئا نعلمه، ونستغفرك لما لا نعلمه. وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدعو الله بقوله: اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، وعمل لا يرفع، ودعاء لا يسمع. رواه أحمد.
وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه دعا بقوله: اللهم حجة لا رياء فيها ولا سمعة. رواه ابن ماجه عن أنس بسند صحيح.
أما ما ذكرت بشأن التهاون بالصلاة، فإن الصلاة شأنها عظيم، وعقاب تاركها أليم، قال تعالى: فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا [مريم:59-60]. وقال تعالى: فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون [الماعون:4-5].
ويقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر. رواه أحمد، والترمذي، والنسائي عن بريدة. وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة، فإن صلحت صلح له سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله. رواه الطبراني في الأوسط، والضياء المقدسي في المختارة بسند صحيح.
وعلى المسلم أن يكون على أشد الحذر من الوقوع في صفات المنافقين، فالله يحذر ويتوعد بقوله تعالى: إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا [النساء:145].
وقد ذكر الله أن من صفاتهم الكسل عن الصلاة، قال تعالى: إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراؤون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا [النساء:142].
أما ما تشعرين به من التألم على حالك من التقصير، والكراهية لما تقعين فيه من التهاون، فهذا دليل الخير الكامن عندك، فعليك أن تتزودي بفعل الخيرات حتى ينتصر داعي الهدى على داعي الهوى، وبواعث الخير على بواعث الشر.
والله الموفق والهادي إلى سبل الرشاد.
والله أعلم.