السؤال
هل يعذب الإنسان على ذنوبه في القبر أو يوم القيامة يوم الجزاء والحساب. أم أن هناك ذنوبا يعذب بها في قبره وذنوبا أخرى تستوجب العذاب يوم الجزاء والحساب؟
هل يعذب الإنسان على ذنوبه في القبر أو يوم القيامة يوم الجزاء والحساب. أم أن هناك ذنوبا يعذب بها في قبره وذنوبا أخرى تستوجب العذاب يوم الجزاء والحساب؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فعذاب القبر ونعيمه حق ثابت، وهناك أمور كثيرة ورد أنها من أسباب العذاب في القبر قبل يوم القيامة، وقد ذكرها الإمام ابن القيم في كتاب الروح فقال: المسألة التاسعة: وهي قول السائل: ما الأسباب التي يعذب بها أصحاب القبور ؟ وجوابها من وجهين: مجمل ومفصل: أما المجمل: فإنهم يعذبون على جهلهم بالله وإضاعتهم لأمره، وارتكابهم لمعاصيه، فلا يعذب الله روحا عرفته وأحبته وامتثلت أمره واجتنبت نهيه، ولا بدنا كانت فيه أبدا؛ فإن عذاب القبر وعذاب الآخرة أثر غضب الله وسخطه على عبده، فمن أغضب الله وأسخطه في هذه الدار ثم لم يتب ومات على ذلك كان له من عذاب البرزخ بقدر غضب الله وسخطه عليه، فمستقل ومستكثر ، ومصدق ومكذب.
وأما الجواب المفصل: فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجلين اللذين رآهما يعذبان في قبورهما، يمشي أحدهما بالنميمة بين الناس، ويترك الآخر الاستبراء من البول. وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه في الذي ضرب سوطا امتلأ القبر عليه به نارا، لكونه صلى صلاة واحدة بغير طهور، ومر على مظلوم فلم ينصره . وفي حديث سمرة في صحيح البخاري في تعذيب من يكذب الكذبة فتبلغ الآفاق .. وتعذيب من يقرأ القرآن ثم ينام عنه بالليل ولا يعمل به بالنهار.. وتعذيب الزناة والزواني .. وتعذيب آكل الربا كما شاهدهم النبي صلى الله عليه وسلم في البرزخ. وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي فيه رضخ رؤوس أقوام بالصخر لتثاقل رؤوسهم عن الصلاة .. والذين يسرحون بين الضريع والزقوم لتركهم زكاة أموالهم .. والذين يأكلون اللحم المنتن الخبيث لزناهم .. والذين تقرض شفاههم بمقاريض من حديد لقيامهم في الفتن بالكلام والخطب .. وفي حديث أبي سعيد عقوبة أرباب تلك الجرائم، فمنهم من بطونهم أمثال البيوت وهم أكلة الربا ..ومنهم من تفتح أفواههم فيلقمون الجمر حتى يخرج من أسافلهم وهم أكلة أموال اليتامى .. ومنهم المعلقات بثديهن وهن الزواني. ومنهم من تقطع جنوبهم ويطعمون لحومهم وهم المغتابون .. ومنهم من لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم وهم الذين يقعون في أعراض الناس .. وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن صاحب الشملة التي غلها من المغنم أنها تشتعل نارا في قبره، هذا وله فيها حق ، فكيف بمن ظلم غيره ما لا حق له فيه. فعذاب القبر عن معاصي القلب والعين والأذن والفم واللسان والبطن والفرج واليد والرجل والبدن كله، فالنمام والكذاب والمغتاب وشاهد الزور وقاذف المحصن والموضع في الفتنة والداعي إلى البدعة والقائل على الله ورسوله ما لا علم له به والمجازف في كلامه. وآكل الربا وآكل أموال اليتامى وآكل السحت من الرشوة ونحوها . وآكل مال أخيه المسلم بغير حق أو مال المعاهد وشارب المسكر . والزاني واللوطي والسارق والخائن والغادر والمخادع والماكر . وآخذ الربا ومعطيه وكاتبه وشاهداه، والمحلل والمحلل له والمحتال على إسقاط فرائض الله وارتكاب محارمه. ومؤذي المسلمين ومتتبع عوراتهم. والحاكم بغير ما أنزل الله والمفتي بغير ما شرعه الله والمعين على الإثم والعدوان...فكل هؤلاء وأمثالهم يعذبون في قبورهم بهذه الجرائم بحسب كثرتها وقلتها وصغيرها وكبيرها. ولما كان أكثر الناس كذلك كان أكثر أصحاب القبور معذبين، والفائز منهم قليل. انتهى من كتاب الروح باختصار .
ونسأل الله أن يعيذنا من عذاب القبر. وقد سبق تفصيل الكلام على عذاب القبر ونعيمه وأدلة ذلك في فتاوى سابقة، أرقامها كالتالي: 2112، 4314، 15209، 15269.
والله أعلم.