الإشكال في الإصرار على الذنب واستمرائه؛ لا في حصوله

0 440

السؤال

أنا رجل مسلم ولله الحمد وملتزم بالجماعات والعبادات وزوجتي متوفاة و لدي طفلة، منذ فترة تعودت على فتح المواقع الإباحية للفضول والتعرف على هذا الجانب و مرات أقوم بعملية الاستمناء وأعرف أنني مذنب وأندم بعدها مباشرة وأستغفر وأتوب وأطلب من الله أن ييسر لي أمر الزواج ، وأنا أعترف بأن ليس لي مشكلة مع ديني وأخلاقي إلا هذا فأرجو أن توضحوا لي النقاط التالية :
1-هل هذا يأتي من ( نحن غير معصومين ).
2- أو يأتي من قبيل اللمم أي من غير الكبائر.
3- أو لا بد للإنسان أن يذنب ويتوب حتى يغفر له.
4- او يمحي الله من خلال الوضوء والصلوات والجمع ورمضان.
5- أو كتب الله على كل بني آدم حظه من الزنى والعينان تزنيان والفرج يصدق ذلك أو يكذب.
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فنسأل الله أن يتوب عليك، وأن يطهر قلبك، ويحصن فرجك، وأن يرزقك العفة والعفاف.

وأما ما ذكرت أخي الكريم من حالك، فإنما هو من نزغات الشيطان وفعل النفس الأمارة بالسوء، والواجب عليك أن تبادر بالتوبة والاستغفار، ولا يستجرينك الشيطان.

ومع ذلك لا تيأس من روح الله، فقد وصف الله تعالى المتقين فقال: والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون {آل عمران: 135}.

ووصف المحسنين فقال: الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم إن ربك واسع المغفرة {النجم: 32} قال السعدي: أي يفعلون ما أمرهم الله به من الواجبات التي يكون تركها من كبائر الذنوب، ويتركون المحرمات الكبار، كالزنا وشرب الخمر وأكل الربا والقتل، ونحو ذلك من الذنوب العظيمة {إلا اللمم} وهي الذنوب الصغار، التي لا يصر صاحبها عليها، أو التي يلم بها العبد، المرة بعد المرة، على وجه الندرة والقلة، فهذه ليس مجرد الإقدام عليها مخرجا للعبد من أن يكون من المحسنين، فإن هذه مع الإتيان بالواجبات وترك المحرمات، تدخل تحت مغفرة الله التي وسعت كل شيء، ولهذا قال: إن ربك واسع المغفرة، فلولا مغفرته لهلكت البلاد والعباد، ولولا عفوه وحلمه لسقطت السماء على الأرض، ولما ترك على ظهرها من دابة. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن، ما اجتنبت الكبائر. اهـ.

وقال الله عز وجل أيضا: إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون {الأعراف: 201} قال السعدي: لما كان العبد لا بد أن يغفل وينال منه الشيطان، الذي لا يزال مرابطا ينتظر غرته وغفلته، ذكر تعالى علامة المتقين من الغاوين، وأن المتقي إذا أحس بذنب، ومسه طائف من الشيطان، فأذنب بفعل محرم أو ترك واجب - تذكر من أي باب أتي، ومن أي مدخل دخل الشيطان عليه، وتذكر ما أوجب الله عليه، وما عليه من لوازم الإيمان، فأبصر واستغفر الله تعالى، واستدرك ما فرط منه بالتوبة النصوح والحسنات الكثيرة، فرد شيطانه خاسئا حسيرا، قد أفسد عليه كل ما أدركه منه. اهـ.

وقال صلى الله عليه وسلم: ما من عبد مؤمن إلا وله ذنب يعتاده الفينة بعد الفينة، أو ذنب هو مقيم عليه لا يفارقه حتى يفارق الدنيا، إن المؤمن خلق مفتنا توابا نساء، إذا ذكر ذكر. رواه الطبراني، وصححه الألباني. قال المناوي: مفتنا أي ممتحنا يمتحنه الله بالبلاء والذنوب مرة بعد أخرى، والمفتن الممتحن الذي فتن كثيرا، توابا نسيا إذا ذكر ذكر أي يتوب ثم ينسى فيعود ثم يتذكر فيتوب هكذا يقال فتنه يفتنه إذا امتحنه اهـ.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يحكي عن ربه عز وجل قال: أذنب عبد ذنبا فقال: اللهم اغفر لي ذنبي. فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب. ثم عاد فأذنب فقال: أي رب اغفر لي ذنبي. فقال تبارك وتعالى: عبدي أذنب ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب. ثم عاد فأذنب فقال: أي رب اغفر لي ذنبي. فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، اعمل ما شئت فقد غفرت لك. رواه البخاري ومسلم واللفظ له. قال النووي: معناه: ما دمت تذنب ثم تتوب غفرت لك اهـ.

وقال أيضا في باب قبول التوبة من الذنوب وإن تكررت الذنوب والتوبة: هذه الأحاديث ظاهرة في الدلالة لها، وأنه لو تكرر الذنب مائة مرة أو ألف مرة أو أكثر، وتاب في كل مرة، قبلت توبته، وسقطت ذنوبه، ولو تاب عن الجميع توبة واحدة بعد جميعها صحت توبته اهـ.

فليس الإشكال إذن في حصول الذنب، وإنما الإشكال في الإصرار عليه واستمرائه؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال: والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم. رواه مسلم. وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون. رواه الترمذي وابن ماجه وأحمد، وحسنه الألباني.

فالمهم أن يبادر العاصي إلى التوبة وأن تسوءه سيئته فيكرهها ويتألم بسببها؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم: من عمل حسنة فسر بها وعمل سيئة فساءته فهو مؤمن. رواه أحمد، وصححه الألباني.

وعليه، فما ذكرت أنه يقع لك من الندم على الذنب ومن المبادرة إلى التوبة والاستغفار فإنه أمر حسن، ولكننا ننصحك بالابتعاد عن إطلاق العنان لنفسك في تبرير ما أنت فيه بأنه مجرد لمم، وأنك غير معصوم، وأن الحسنات تكفر السيئات، وأن المرء لا بد له من الوقوع في الخطايا ونحو ذلك، فإن هذه التبريرات وإن كانت صحيحة إلا أن الاستمرار فيها مفض إلى الاستمرار على الذنب، فبادر أخانا الكريم إلى التوبة، وأحسن حتى يحسن الله إليك، واجتنب ما حرم الله حتى ييسر الله لك الحلال.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات