السؤال
توفي والدي منذ 6 أعوام وكانت والدته جدتي على قيد الحياة ورفضت أن تأخذ من ميراثه شيئا وقالت أتركه لأولاده وكتبت بذلك عقود بيع لنا نحن أبناؤه، مع العلم أنها رفضت حتى أخذ أموال للحج أو أي أموال أخرى، ثم توفيت ولكن أعمامي اعترضوا وطالبوا بنصيب والدتهم في تركة والدي، ولأن عمي يتعرض لنا ويقول إما أن تعطوني نصيبي في ميراث أمي أو سأمنعكم من إدارة مصالحكم ويقوم باستخدام القوه ونحن في حيرة.
أولا: هل يحق له المطالبة بهذه الأموال أم أن رفض جدتي لهذه الأموال من البداية يحرمه من هذا الحق، وهل على جدتي إثم لتركها هذه الأموال لنا؟
ثانيا: عمي هذا الذي يتعرض لنا بالقوة ما العمل معه مع العلم أن الناس تدخلت دون جدوى، وما موقف الشرع من دفاعنا عن أموالنا وأنفسنا بالقوة؟
ثالثا: حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه من مات دون ماله فهو شهيد إلى أي مدى يمكن تطبيق هذا الحديث في هذه الحالة ؟
أرجو الإجابة الوافية لسؤالي هذا حتى يمكننا أن نتصرف في حدود وإطار الشرع العظيم ولكم جزيل الشكر؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن ما فعلته جدتكم هو تبرع منها مقبول شرعا إذا كانت قد فعلت ذلك في حال صحتها، إما إن كانت قد فعلت ذلك في مرض موتها فتصرفها يكون حكمه حكم الوصية من حيث إنه لا يجوز بأكثر من الثلث إلا برضا الورثة كما سبق في الفتوى رقم: 2609، والفتوى رقم: 28174، والفتوى رقم: 28174
.
فإذا كان تصرف جدتك وهي في حال الصحة أو في حدود الثلث فهو تصرف صحيح وهي مثابة على ذلك إن شاء الله تعالى.
ولا يجوز لعمك في هذه الحالة أن يطالب بنصيبه من هذه الأموال، والأولى لكم أن تبينوا له الأمر برفق ولين وتحاولوا توسيط أهل الخير.
أما ما رواه الإمام مسلم: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا قال: يا رسول الله أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟ قال: فلا تعطه مالك. قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: قاتله، قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: فأنت شهيد، قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: هو في النار.
وفي صحيح البخاري عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما : سمعت النبي صلى يقول: من قتل دون ماله فهو شهيد.
قال الإمام النووي في شرحه على مسلم: فيه جواز قتل القاصد لأخذ المال بغير حق سواء كان المال قليلا أو كثيرا لعموم الحديث. وهذا قول لجماهير العلماء.. وقال بعض أصحاب مالك لا يجوز قتله إذا طلب شيئا يسيرا كالثوب والطعام وهذا ليس بشيء، والصواب ما قاله الجماهير، وأما المدافعة عن الحريم فواجبة بلا خلاف وفي المدافعة عن النفس بالقتل خلاف في مذهبنا ومذهب غيرنا، والمدافعة عن المال جائزة غير واجبة، والله أعلم. انتهى.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: فلا تعطه. فمعناه لا يلزمك أن تعطيه وليس المراد تحريم الإعطاء .
وعلى هذا فإذا كان عمك يحاول أخذ ما في أيديكم بالقوة فيجوز لكم دفعه عن ذلك بالأخف فالأخف مثل أن تبلغوا عنه السلطات لتأخذ على يديه دون أن تدخلوا معه في مواجهة إلا أن تضطروا لذلك.
جاء في شرح مختصر خليل للخرشي: الصائل سواء كان مكلفا, أو لا إذا صال على نفس أو مال أو حريم, فإنه يشرع دفعه عن ذلك بعد الإنذار إن كان يفهم بأن يناشده الله بأن يقول له: ناشدتك الله إلا ما خليت سبيلي ثلاث مرات ... ويدفعه بالأخف فالأخف فإن أدى إلى قتله قتله .انتهى .
وراجع لمزيد الفائدة فتوانا رقم: 109810.
واعلم أن صلة الرحم من القضايا التي حثنا عليها ديننا الحنيف، والقرآن الكريم والسنة مملوءان بالآيات والأحاديث التي ترشد إلى ذلك وسبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 5443.
ولا شك أن عمك من الأرحام التي يجب عليكم وصلها وبرها، وإن كان لا يجب عليكم إعطاؤه هذه الأموال إلا أنه يجوز لكم - بل يستحب - أن تتركوها له إن طابت بذلك أنفسكم لا سيما إن كان قد وسع الله عليكم وكان هو محتاجا، وعلى كل حال يجب عليكم بر عمكم وصلته وإن أساء هو إليكم، فقد روى البخاري وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل من إذا قطعت رحمه وصلها.
وعلى المسلم أن يحتسب الأجر في وصل من قطعه، وأن يعلم أن الله عز وجل معينه وناصره، فقد روى مسلم وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رجلا قال: يا رسول الله، إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيؤون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي. فقال: لئن كنت كما قلت: فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير ما دمت على ذلك. أي: فكأنما تطعمهم الرماد الحار.
والله أعلم.