السؤال
أنا أقابل سوء حظ في حياتي سنحت لي بعض الفرص للعمل ولكن والدي سامحه الله منعني منها بحجة الخوف والإنظار للحصول على ما هو أفضل من وظيفة الشرطة وطلبت منه أن يعطيني مالا لكي أفتح لي مشروعا ورفض خوفا من الخسارة والآن هو لا يملك شيئا وأنا تزوجت وعندي ولد وهو الذي ينفق علي وعلى عائلتي وأنا أعيش في حالة نفسية صعبة وأنا دائما أسبه في سري بسبب ذلك وأحس في نفسي أن تأخر الرزق من هذا الذنب، ولكن لا أستطيع أن أتوقف عن ذلك فماذا أفعل لكي أتوقف عن هذا الذنب؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فسب الرجل لوالديه أو لأحدهما من أكبر الكبائر، ففي الصحيحين واللفظ للبخاري عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه! قيل: يا رسول الله وكيف يلعن الرجل والديه؟ قال: يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه.
فهذا في حق من تسبب في سب والديه أو أحدهما، فكيف بمن باشر سبهما والعياذ بالله؟ ولذلك تعجب الصحابة ممن يسب والديه لأن هذا أمر عظيم، وقد حرم الله تعالى قول (أف) لهما، فقال: وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما* واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا {الإسراء: 23-24}.
وأما بالنسبة لضيق الرزق فاعلم أخي الكريم أن الرزق بيد الله وحده، وأن الإنسان مهما سعى في طلب الرزق فلن يأتيه إلا ما كتبه الله له، ومهما حيل بينه وبين رزقه فإن رزقه آتيه كما يأتيه أجله؛ فقد روى الطبراني في الكبير عن أبي الدرداء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الرزق ليطلب العبد أكثر مما يطلبه أجله. الحديث حسنه الألباني في صحيح الجامع.
ثم اعلم أن صلة الرحم بصفة عامة من أسباب سعة الرزق أيضا؛ كما في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من سره أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره، فليصل رحمه.
ومن المعلوم أن أصحاب الرحم لا يربطهم بالمرء إلا والداه، فإذا كان الله جل وعلا جعل صلة الرحم من أسباب سعة الرزق فكيف ببر الوالدين، ثم تذكر دائما أن السعادة في هذه الدنيا ليست بوفرة المال، وإنما هي بالإيمان والقناعة والرضى، وإن الدنيا أهون من أن يضيق الإنسان ذرعا لقلتها في يده.
ففي صحيح مسلم عن جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بالسوق والناس كنفيه فمر بجدي أسك ميت فتناوله فأخذ بأذنه فقال: أيكم يحب أن هذا له بدرهم؟ فقالوا: ما نحب أنه لنا بشيء، وما نصنع به؟ قال: أتحبون أنه لكم، قالوا: والله لو كان حيا كان عيبا فيه لأنه أسك فكيف وهو ميت؟ فقال: والله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم.
فما أحقر هذه الدنيا التي شغلتنا عن الآخرة، وتسببت لنا في عقوق الآباء وقطع الأرحام, وانتابنا الهم والغم إن هي قلت في أيدينا، فلا تحزن يا أخي ولا تيأس، ولا تنظر إلى من فوقك في أمور الدنيا، وانظر إلى من دونك، تدرك نعمة الله عليك، فإن كنت فقيرا فغيرك مثقل بالديون، وإن قل المال في يدك فغيرك قد فقد المال والصحة والولد، فارض بقضاء الله وقدره في تقسيم الأرزاق، واعلم أن الله لا يقدر لك إلا الخير، وأن تدبير الله لك خير من تدبيرك لنفسك، ولا يعني ذلك أن تترك الأخذ بأسباب الرزق فهذا قدح في الشرع، ولكن إذا ضاق بك الحال أو قصرت بك النفقة، فتوكل على الله وحده، والجأ إليه بالدعاء والتضرع بين يديه لا سيما في الثلث الأخير، حيث ينزل ربنا إلى السماء الدنيا فيقول: من يدعوني فأستجيب له، ومن يسألني فأعطيه، ومن يستغفرني فأغفر له.
واعلم أن يد الله ملأى لا تغيضها نفقة، سحاء الليل والنهار، ينفق كيف يشاء.. وهناك أسباب لسعة الرزق سبق بيانها بالتفصيل في الفتوى رقم: 7768.
والله أعلم.