السؤال
بارك الله لكم فيما تقدمونه من خدمة جليلة للإسلام والمسلمين، وجعله في ميزان حسناتكم.
لي سؤال أود أن تفيدوني فيه هو:
كنت أتناقش مع زميل لي بالعمل فنبهني إلى أن العبادات من فرائض ونوافل لن تحسب أو أؤجر عليها مادمت لم أحتسبها عند الله أي يجب أن تكون أعمالك لله، فقلت له: إن ما أفعله من عبادات فبالطبع هي لله وابتغاء وجهه، ولكنني أفعلها بفطرة المسلم الذي يريد أن يزيد من حسناته وأعماله الصالحة حتى يجد ما يلقى به الله يوم القيامة, وزاد الأخ الكريم وقال لي: إنك يجب أن تنتبه إلى أن تتحول هذه الأعمال إلى روتين يومي .وهذا ما يحدث لي بالطبع، فمن تكرار ما أفعله من عبادات أصبحت كالواجبة علي.لا أفكر في أنني يجب أن أفعلها أم لا، ولكنني أقوم بها وأنا راض بما أفعله ومسرور، ولكن لا أفكر في نيتي قبل كل عمل أو عبادة، لذا أصابني نوع من الشك فيما قاله الأخ الكريم لي وأصبحت أعبد الله وأقوم بالنوافل وهناك نوع من الشك يساورنى فيما أفعله، وهل سوف أأجر على ما قمت به من عبادات؟ وهل يجب أن أنوى قبل كل عمل أنه لله، وإن كان كذلك فكيف وأصل العبادات كلها لله الواحد القهار ؟
وكيف أتجنب الروتين فى عباداتي، ولأنها يومية تصبح عندى كالواجبة، وكيف أتجنب الرياء في عباداتي وأتاكد من أننى لست منافقا وإنما أبتغى وجه الله؟
أرجو أن أكون أوضحت لكم ما أريد، وأن تجيبوني حيث إنني في حالة نفسية سيئة بسبب ما قاله الأخ لي ،وبين محاولة تطبيق ما قاله وبين صحته أو عدم صحته أو عدم فهمي له ؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
نسأل الله أن يرفع عنك ما تجده من السوء، ثم اعلم أن أجر العامل يحصل له إذا نوى بعمله
التقرب إلى الله عز وجل وابتغاء مرضاته، وقد نص شيخ الإسلام ابن تيمية على أن تكليف العبد أن يعمل عملا بلا نية تكليف بما لا يطاق، وبه تعلم أن العمل لا ينفك عن نية، فإذا كان العمل ابتغاء وجه الله حصل الثواب، وإذا كان ابتغاء عرض الدنيا أو نظر الناس فهو حابط لا ينتفع به صاحبه.
فظهر لك أنك مثاب- إن شاء- الله على ما تقوم به من الطاعات إذا وقع بنية التقرب إلى الله، وأما الاحتساب فهو أمر زائد على النية وهو أخص منه. كما بينا ذلك في الفتوى رقم: 99355.
وبقدر كمال الاحتساب واستحضار عظمة الله في قلب العبد يكون كمال المثوبة وعظم الأجر، وما ذكرته من أن كثيرا من الناس يؤدون العبادات بصورة روتينية بحيث لا يكادون يتفكرون في مقاصد العبادات أمر صحيح، وهذه العبادات وإن أسقطت الفرض لكنها لا تؤثر أثرها المطلوب التام إلا إذا أحضر العبد قلبه فيها، واستحضر جلال ربه وعظمته، وحاسب نفسه لله أتم المحاسبة، وأقبل على ربه بكليته منطرحا بين يديه، راجيا لثوابه خائفا من عقابه، عالما أنه لا ملجأ من الله إلا إليه، فمثل هذا العبد هو الذي يكون لعبادته أثر عظيم في صلاح قلبه، ويكون انتفاعه بعبادته أتم، وربما جاوز الصالحون هذا المقدار فاحتسبوا في المباحات فضلا عن احتسابهم في القربات، كما قال معاذ: أما أنا فأنام وأقوم فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي. رواه البخاري.وقال الحافظ ابن حجر في الفتح: ومعناه أنه يطلب الثواب في الراحة كما يطلبه في التعب، لأن الراحة إذا قصد بها الإعانة على العبادة حصلت الثواب. انتهى.
ويمكن التغلب على هذا الأمر بالاستعانة بالله عز وجل، ومداومة محاسبة النفس وتعريفها فضائل الأعمال، وكثرة التفكر في أسماء الله وصفاته، وإشعارها باطلاعه تعالى على ما يسره العبد ويعلنه، فيحمله ذلك على تحسن العمل وإتقانه والاجتهاد في إحضار النية فيه، لعلمه أنه بنظر الرب تبارك وتعالى.
وأما قضية الرياء، فإنها مسألة مهمة، والذي ينبغي للعبد أن يخاف الرياء ويحرص على توقيه، لكن ينبغي أن يكون خوفه من الرياء خوفا صحيحا يحمله على الاجتهاد في الإخلاص والطاعة، لا على اليأس والقنوط، وانظر الفتوى رقم: 117814.
ويمكن للعبد أن يعرف إن كان مخلصا أو مرائيا إذا كان صادقا مع نفسه، فيعرف مقاصدها الحقيقية من وراء العمل ويديم التفتيش في عيوب نفسه، والبحث في خفايا نيته، فإن وجد خيرا حمد الله، وإن وجد غير ذلك أصلح نيته وتاب إلى ربه.
نسأل الله أن يرزقنا وإياك الإخلاص والصدق.
والله أعلم.