يجتهد في العبادة لكنه مبتلى بفضول النظر

0 295

السؤال

أنا شاب بلغت سن 31 ولم أتزوج، وأعاني من أمر أهمني، ويجعلني أشعر بالذنب ، فلله الحمد أنا إنسان أخاف رب العباد، وأجتهد قدر إمكانياتي في العبادة وقراءة القرآن، ولكن تحصل مني أمور، وهذه الأمور حصلت معي عدة مرات في عملي ووظيفتي، حيث إنني أتصفح الانترنت وأضعف أمام هذا الجهاز اللعين، فيوسوس لي الشيطان بمحادثة الفتيات على الماسنجر ومشاهدة مقاطع خليعة، وأنا خائف ومتوتر وينتج عن هذا التوتر والخوف أن حصل عندي إنزال للمني مرات عديدة أثناء عملي بدون قصد مني، وإنما نتيجة التوتر، وأنا لست متعودا على تلك الأمور، فما هو مدى إثمي؟ وكيف أتوقف عن هذه الأفعال ؟ و كيف أكفر عن تلك المعاصي ؟خاصة أني أحسست نفسي من الذين قال فيهم القرآن :(مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا) صدق الله العظيم، لكني أتوب وأرجع، ساعدوني فإني إنسان ضعيف جدا؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فبداية نسأل الله أن يتوب عليك، وأن يطهر قلبك، وأن يحصن فرجك، ويرزقك الزوجة الصالحة، والذرية الطيبة. ثم اعلم أخي الكريم أن مخافة الله ومراقبته والاستحياء منه أمور يعصم الله بها العبد من الزلل، بها يفوز به برضوان الله وجنته، كما قال تعالى: ولمن خاف مقام ربه جنتان {الرحمن: 46} وقال سبحانه: وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى  فإن الجنة هي المأوى {النازعات:40 ،41} وهذا هو مقام الإحسان الذي سئل عنه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك. متفق عليه.

فاحذر أخي الكريم أن تتبدل عن هذا المقام الرفيع السامي، بمقام من يتحقق فيهم قوله تعالى: يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطا {النساء: 108}. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: لأعلمن أقواما من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضا فيجعلها الله عز وجل هباء منثورا قال ثوبان: يا رسول الله صفهم لنا جلهم لنا أن لا نكون منهم ونحن لا نعلم. قال: أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها. رواه ابن ماجه، وصححه الألباني.

واعلم أخي الفاضل أن في غض البصر عن المحرمات قطعا لسبيل الشيطان إلى كثير من المحاذير والمحرمات، وفيه ـ كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ ثلاث فوائد جليلة القدر: إحداها : حلاوة الإيمان ولذته التي هي أحلى وأطيب مما تركه لله، فإن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه.

وأما الفائدة الثانية من غض البصر: فهو أنه يورث نور القلب والفراسة.. وكان شاه بن شجاع الكرماني لا تخطئ له فراسة، وكان يقول: من عمر ظاهره باتباع السنة، وباطنه بدوام المراقبة، وغض بصره عن المحارم، وكف نفسه عن الشهوات، وأكل الحلال لم تخطئ له فراسة. اهـ  والله تعالى يجزي العبد على عمله بما هو من جنس عمله، فيطلق نور بصيرته، ويفتح عليه باب العلم والمعرفة.

الفائدة الثالثة: قوة القلب وثباته وشجاعته فيجعل الله له سلطان البصيرة مع سلطان الحجة، فإن الرجل الذي يخالف هواه يفرق الشيطان من ظله، ولهذا يوجد في المتبع هواه من ذل النفس وضعفها ومهانتها ما جعله الله لمن عصاه، وإن الله جعل العزة لمن أطاعه والذلة لمن عصاه اهـ. بتصرف من كتاب حجاب المرأة المسلمة.

ولا يمكن أن يسوي عاقل بين شهوة عاجلة منغصة، مع ما يعقبها من ألم البعد عن الله في الدنيا، وما يترتب عليها من حساب في الآخرة ، وبين نعيم الجنة وعافية الدنيا وسعادتها.

ثم اعلم أخي الكريم أن الإشكال ليس في وقوع الذنب، وإنما الإشكال في الإصرار عليه واستمرائه؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال: والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم. رواه مسلم. وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون. رواه الترمذي وابن ماجه وأحمد، وحسنه الألباني.

فبادر إلى التوبة، وأتبع السيئة بالحسنة حتى تمحوها، كما قال صلى الله عليه وسلم: اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن. رواه الترمذي وقال: حسن صحيح وأحمد، وحسنه الألباني. قال ابن تيمية: وأتبع السيئة الحسنة تمحها، فإن الطبيب متى تناول المريض شيئا مضرا أمره بما يصلحه، والذنب للعبد كأنه أمر حتم، فالكيس هو الذي لا يزال يأتي من الحسنات بما يمحو السيئات اهـ.

فمن المصائب أن يتابع العبد بين السيئات دون توبة واستغفار، كما قال صلى الله عليه وسلم: إن العبد إذا أخطأ خطيئة نكتت في قلبه نكتة سوداء، فإذا هو نزع واستغفر وتاب سقل قلبه، وإن عاد زيد فيها حتى تعلو قلبه. وهو الران الذي ذكر الله (كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون) رواه الترمذي وقال: حسن صحيح. وابن ماجه وأحمد. وحسنه الألباني.

وقد سبق أن بينا مخاطر الأفلام والصور الخليعة في الفتوى رقم: ، 21807. كما سبق أن بينا بعض مخاطر المحادثة بين الرجال والنساء بواسطة الإنترنت في الفتويين: 48990 ، 46454 .

وأما مسألة خروج المني، فقد سبق أن بينا في الفتوى رقم: 79170 أن نزوله إذا كان بدون لذة فلا يجب منه الغسل عند جماهير العلماء خلافا للشافعية، ولكن ينقض الوضوء، وأما إن كان نزوله بشهوة فهذا يوجب عليك الغسل، سواء نجم ذلك عن توتر أو غيره، ما لم يصل نزوله في اليقظة إلى حد السلس، فإن وصل إلى حده بأن لازم كل الوقت أو جله فإنه يعتبر سلسا، وقد أوضحنا في الفتوى رقم: 41896 ، كلام أهل العلم فيما يفعل من ابتلي بسلس المني.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات