السؤال
ما هي قيمة النظر في جمالية الكون؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالنظر في جمال الكون والمخلوقات هو من التفكر في خلق الله عز وجل وجميل صنعه، وثمراته كثيرة ومنها:
إدراك عظمة الخالق سبحانه وبديع قدرته وعجيب صنعه وإتقانه، فلا فلتة ولا مصادفة ولا خلل ولا نقص كما قال سبحانه: صنع الله الذي أتقن كل شيء {النمل: 88}.
ومنها: زيادة الإيمان: فالتفكر يستدل به المرء على ما لله من صفات الكمال والجلال، ويعلم أنه لا يخلق أحد كخلق الله ولا يدبر كتدبيره سبحانه وتعالى، وكلما تدبر العاقل في هذه المخلوقات وما أودع فيها من لطائف البر والحكمة، علم بذلك أنها خلقت للحق وبالحق، وأنها صحائف آيات وكتب دلالات على ما أخبر الله به عن نفسه ووحدانيته، قال ابن العربي: أمر الله تعالى بالنظر في آياته والاعتبار بمخلوقاته في أعداد كثيرة من آي القرآن، أراد بذلك زيادة في اليقين وقوة في الإيمان، وتثبيتا للقلوب على التوحيد، قيل لأبي الدرداء: أفترى الفكر عملا من الأعمال ؟ قال: نعم هو اليقين. فالتفكر طريق العبد إلى اليقين، كما قال تعالى: وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين {الأنعام:75}.
وقال بعض السلف: مازال المؤمنون يتفكرون فيما خلق ربهم حتى أيقنت قلوبهم بربهم.
ومنها: أن التفكر في جمال الكون وإتقانه يجعل الإنسان يدرك أن الله خلقه لأمر عظيم وهو عبادته وحده لا شريك له، وأنه سبحانه لم يخلق مثل هذا الكون الفسيح المتقن ليعبث الإنسان أو يعبد غير الخالق، بل إن المتأمل لخلق الإنسان ابتداء وانتهاء، والناظر فيما اختصه الله به من عقل وإرادة، يدرك أنه إنما خلق لأمر عظيم، قال تبارك وتعالى: وفي أنفسكم أفلا تبصرون {الذاريات:21} قال قتادة رحمه الله: من تفكر في نفسه عرف أنما لينت مفاصله للعبادة.
ومنها: أن التفكر من صفات العلماء ومن أعظم العبادات التي تقود إلى الخشوع لله: ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود * ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور {فاطر: 27-28}
ومنها: أن هذا التفكر بحد ذاته عبادة من أجل العبادات أمر الله بها وذم من غفل عنها، كما قال تعالى: قل انظروا ماذا في السماوات والأرض وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون {يونس:101}، وقال: أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء... {الأعراف: 185}، وقال: أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض...{سبأ: من الآية9}، وكأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون {يوسف:105}.
ومنها: أن التفكر مما يزيد التقوى ويرسخ الإيمان، قال تعالى: إن في اختلاف الليل والنهار وما خلق الله في السماوات والأرض لآيات لقوم يتقون. {يونس:6}. وقيمة التفكر وثمراته لا يمكن حصرها في هذه الفتوى، وننصح للاستزادة في موضوع التفكر بمراجعة كتاب: مفتاح دار السعادة. لابن القيم رحمه الله، والفتاوى ذات الأرقام التالية: 6342، 38365، 69768، 113672.
والله أعلم.