الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا شك أن جميع الأعمال الصالحة، الظاهرة والباطنة إنما هي من فضل الله على العبد وتوفيقه له، كما قال سبحانه: ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا {النساء:83}، وقال تعالى: ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا {النور:21}، قال السعدي: أي ما تطهر من اتباع خطوات الشيطان، لأن الشيطان يسعى هو وجنده في الدعوة إليها وتحسينها، والنفس ميالة إلى السوء أمارة به، والنقص مستول على العبد من جميع جهاته، والإيمان غير قوي، فلو خلي وهذه الدواعي، ما زكى أحد بالتطهر من الذنوب والسيئات والنماء بفعل الحسنات، فإن الزكاء يتضمن الطهارة والنماء، ولكن فضله ورحمته أوجبا أن يتزكى منكم من تزكى.. وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم آت نفسي تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها. انتهى.
وقال القشيري: ردهم في جميع أحوالهم إلى مشاهدة ما من الحق في قسمي النفع والدفع، وحالتي العسر واليسر، والزكى من الله، والنعمى من الله، والآلاء من الله، قال تعالى: وما بكم من نعمة فمن الله. انتهـى.
ولذلك قال الله تعالى في الحديث القدسي: يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه. رواه مسلم. وقد سبق لنا بيان أن القيام بالطاعات من توفيق الله وفضله، في الفتوى: 116993. فلو حلف العبد أن طاعته وإخلاصه من فضل الله عليه لبر وأصاب.
وأما مسألة العجب فهي بإذن الله منتفية عنك طالما أنك مدرك أن ما بك من نعمة فهي من فضل الله عليك وتوفيقه لك، وقد سبق لنا بيان حقيقة العجب وحالاته وحكمه وعلاجه في الفتاوى: 32856، 63817، 64618.
وأما مسألة ضعف الخوف من الله تعالى، فقد سبق لنا بيان سبل غرس مخافة الله وكيفية اكتسابها في الفتاوى: 25324، 66109، 208051.
وأيضا آفة الحقد سبق لنا بيان مضارها وطرق علاجها والهدي النبوي في إزالة أدرانها، في الفتاوى: 14710، 47219، 69659.
وكذلك علاج أمراض القلوب، سبق بيانها في الفتويين: 17323، 381862.
وبصفة عامة قد سبق لنا بيان وسائل تقوية الإيمان وتحقيق الاستقامة، وذكر نصائح لاجتناب المعاصي وبيان شروط التوبة وبيان الأسباب المعينة على التخلص من غواية الشيطان، في الفتاوى: 10800، 1208، 93700، 5450، 33860، 56356.
وأما شعورك بأن معظم كلامك العادي بدعة فهذا أمر عجيب، فإن البدعة أمر مخترع في الدين، فأين هذا من كلامك العادي، وانظر تعريف البدعة في الفتوى: 631، ولهذا نقطع أن أصل مشكلتك أيها السائل الكريم هي الوسوسة المرضية، فعليك -أخي الكريم- بالإعراض عن هذه الوساوس الشيطانية وتجاهل هذه الخطرات المرضية، واشغل نفسك عنها بذكر الله تعالى، وتلاوة القرآن، والاهتمام بمذاكرتك وبما ينفعك في أمر دينك ودنياك؛ لئلا تفسح المجال للشيطان، والهج بالدعاء والذكر ليكشف الله عنك البلاء. ولمزيد الفائدة عن الوسوسة وعلاجها يمكنك مراجعة الفتوى: 3086.
واحذر أخي الكريم أن تسلط الشيطان على نفسك باقتراف المعاصي والذنوب والتي من جملتها إطلاق النظر إلى ما حرم الله تعالى، واعلم أن في غض البصر -كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية- ثلاث فوائد جليلة القدر:
إحداها: حلاوة الإيمان ولذته التي هي أحلى وأطيب مما تركه لله: فإن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه.
والثانية: من غض البصر فهو يورث نور القلب والفراسة.. وكان شاه بن شجاع الكرماني لا تخطئ له فراسة وكان يقول: من عمر ظاهره باتباع السنة وباطنه بدوام المراقبة وغض بصره عن المحارم وكف نفسه عن الشهوات وأكل الحلال لم تخطئ له فراسة. والله تعالى يجزي العبد على عمله بما هو من جنس عمله فيطلق نور بصيرته ويفتح عليه باب العلم والمعرفة.
والثالثة: قوة القلب وثباته وشجاعته فيجعل الله له سلطان البصيرة مع سلطان الحجة فإن الرجل الذي يخالف هواه يفرق الشيطان من ظله ولهذا يوجد في المتبع هواه من ذل النفس وضعفها ومهانتها ما جعله الله لمن عصاه، وإن الله جعل العزة لمن أطاعه والذلة لمن عصاه. اهـ (بتصرف من كتاب حجاب المرأة المسلمة).
والعاقل لا يمكن أن يسوي بين شهوة عاجلة منغصة، مع ما يعقبها من ألم البعد عن الله في الدنيا، وما يترتب عليها من حساب في الآخرة، وبين نعيم الجنة وعافية الدنيا وسعادتها.
وقد أشرت -أخي الكريم- في سؤالك إلى عقوبة شديدة وقعت لك وهي ضياع صلاة الفجر، وقد تجمع عليك معها عقوبة دنيوية كعدم التوفيق في الامتحانات، فاتق الله أخي الكريم يجعل لك مخرجا ويرزقك من حيث لا تحتسب، وإياك ومقاربة فتنة النساء فإنها أخاذة، وقد سبق لنا بيان التحذير النبوي البليغ من فتنة النساء في الفتوى:35047. فاصرف نفسك عن تلك الفتاة التي ذكرت، خاصة أنك لا تريد الزواج منها، وأنها لا تناسبك، كما ذكرت، وإن كنت تستطيع الزواج فعجل به، وإلا فعليك بالصوم كما أوصى بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم.