تبشير الميت بصلاح ولده من بعده

0 454

السؤال

هل يجوز أن أرسل عن طريق الإيميل بعض الأدعية والأذكار أو أي شي ينفع المسلمين مثل: أن أبعث شرح حديث معين وفضله وأحتسبه كصدقة جارية، أو أن أشتري كتابا دينيا قيما وأهديه إلى بعض الأشخاص ويكون صدقة جارية لي أو لغيري؟ وهل يجوز ـ إن كان لي أجر من الله تعالى على ذلك الفعل ـ أن أهبه لأمي ـ رحمها الله؟ وهل تنتفع بهذا الأجر في قبرها ويوم القيامة؟ وكيف ينتفع الميت بدعاء الناس له والصدقة عنه؟ وما معنى: أن الرجل يبشر بصلاح ولده من بعده؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فما تريد أن تقوم به من إرسال أدعية وأذكار أو أي شيء مما ينفع هو من الدعوة إلى الخير والتواصي بالحق ومما تؤجر عليه ـ إن شاء الله تعالى ـ فقد قال سبحانه: ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين {فصلت:33}. وقال صلى الله عليه وسلم: لأن يهدي بك الله رجلا واحدا خير لك من حمر النعم. متفق عليه. وقال صلى الله عليه وسلم: من دل على خير فله مثل أجر فاعله. رواه مسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا.رواه مسلم.

وهذه الأعمال من الصدقات التي ينتفع بها ويصل ثوابها ما دام أحد يعمل بها بسبب إرشادك له، وما كان منها في معنى الوقف فهو من الصدقات الجارية، فقد نص العلماء على أن الصدقة الجارية محمولة على الوقف الذي يحبس أصله ويبقى الانتفاع به، كما بينا في الفتوى رقم: 43607، فراجعيها.

ويجوز إهداء ثواب الأعمال للميت ـ على الراجح من أقوال العلماء ـ وعليه، فيجوز لك إهداء ثواب هذا الفعل لأمك وسينفعها هذا ـ إن شاء الله تعالى ـ وكذلك الدعاء والصدقة مما ينفعان الميت بإجماع العلماء، فيصل للميت ثوابهما ويخفف الله عنه بهذا الثواب أو يرفع به درجاته، وراجعي فيما ينفع الميت من أعمال الأحياء الفتاوى التالية أرقامها: 56783، 69795، 3500.

وأما عن تبشير الميت بصلاح ولده من بعده، فهذا قول مروي عن مجاهد ـ رحمه الله ـ وهو من التابعين ـ رواه ابن أبي الدنيا في كتاب المنامات، وصححه ابن القيم في كتاب الروح، ونصه قال مجاهد: إن المؤمن ليبشر بصلاح ولده من بعده لتقر عينه.  

يعني يخبر في قبره بأن عمل ابنه صالح فيفرح بذلك، وهذا مذهب طائفة من العلماء أن أعمال الأحياء الأقارب تعرض على أقاربهم الأموات فيفرحون لعملهم الخير ويحزنون إذا وجدوا عملا سيئا، وقد ورد في هذا حديث اختلف العلماء في قبوله أو رده، لكلام في إسناده وهو ما رواه الإمام أحمد في مسنده بإسناده عمن سمع أنس بن مالك يقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن أعمالكم تعرض على أقاربكم وعشائركم من الأموات، فإن كان خيرا استبشروا به، وإن كان غير ذلك، قالوا: اللهم لا تمتهم، حتى تهديهم كما هديتنا. قال الهيثمي في مجمع الزوائد: فيه رجل لم يسم. وقال الشيخ الألباني ـ عن هذا الحديث ـ في ضعيف الجامع: ضعيف، ثم تراجع الشيخ وصححه في السلسلة الصحيحة. وقال الشيخ الأرنؤوط في تحقيق مسند الإمام أحمد: إسناده ضعيف، لإبهام الواسطة بين سفيان وأنس، وهذا الحديث تفرد به الإمام أحمد، وفي الباب عن أبي أيوب الأنصاري عند الطبراني في ـ الأوسط ـ لكن إسناده ضعيف جدا، فيه مسلمة بن علي الخشني، وهو متروك الحديث، فلا يفرح به. اهـ.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في مجموع الفتاوى: ولما كانت أعمال الأحياء تعرض على الموتى كان أبو الدرداء يقول: اللهم إني أعوذ بك أن أعمل عملا أخزى به عند عبد الله بن رواحة. اهـ.

وقال ابن القيم: وكان بعض الأنصار من أقارب عبد الله بن رواحة يقول: اللهم إني أعوذ بك من عمل أخزى به عند عبد الله بن رواحة ـ كان يقول ذلك بعد أن استشهد عبد الله. اهـ.

وقد أفاض في بيان هذا الإمام ابن القيم ـ رحمه الله ـ في كتابه الروح فليراجع.

ولمزيد من الفائدة راجعي الفتوى رقم: 24738.

 وقد يكون ـ والله أعلم ـ استبشار الميت بصلاح ولده من بعده لوصول الدعاء والاستغفار للأب عن طريق ولده فيسر لثوابه، ولأن وصول الثواب مشروط بصلاح الولد فيعلم بأن ولده عبد صالح فيستبشر، ففي حديث أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له. رواه مسلم.

وفي مسند الإمام أحمد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله عز وجل ليرفع الدرجة للعبد الصالح في الجنة فيقول: يا رب أنى لي هذه فيقول: باستغفار ولدك لك. حسنه الحافظ العراقي في تخريج الإحياء، وصححه ابن كثير في التفسير، والشوكاني في نيل الأوطار، وحسنه الألباني وشعيب الأرنؤوط وغيرهم.

 وقد ذكرنا المقصود بقوله: ولد صالح يدعو له. وكلام العلماء حول ذلك في الفتوى رقم: 51983، فلتراجع.

 والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة