السؤال
هل يمكن للأخ أن يلتقي بأخيه بعد موته في حياة البرزخ ويعرفه ويستقبله ويسأله عن حال أهل الدنيا؟ لأنني رأيت أخوات أبي اللاتي متن يقفن صفين ينتظرنه، وهذه الرؤية رأيتها قبل مماته بأيام.
ولكم جزيل الشكر.
هل يمكن للأخ أن يلتقي بأخيه بعد موته في حياة البرزخ ويعرفه ويستقبله ويسأله عن حال أهل الدنيا؟ لأنني رأيت أخوات أبي اللاتي متن يقفن صفين ينتظرنه، وهذه الرؤية رأيتها قبل مماته بأيام.
ولكم جزيل الشكر.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن تلاقي أرواح المؤمنين في البرزخ، واستقبالهم لمن يأتي إليهم من بعدهم وسؤالهم إياهم عن أهل الدنيا ثابت ـ كما في حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا احتضر المؤمن أتته ملائكة الرحمة بحريرة بيضاء فيقولون: اخرجي راضية مرضيا عنك إلى روح الله وريحان ورب غير غضبان، فتخرج كأطيب ريح المسك، حتى أنه ليناوله بعضهم بعضا، حتى يأتون به باب السماء فيقولون: ما أطيب هذه الريح التي جاءتكم من الأرض، فيأتون به أرواح المؤمنين، فلهم أشد فرحا به من أحدكم بغائبه يقدم عليه، فيسألونه ماذا فعل فلان؟ ماذا فعل فلان؟ فيقولون: دعوه، فإنه كان في غم الدنيا، فإذا قال: أما أتاكم؟ قالوا: ذهب به إلى أمه الهاوية.
وإن الكافر إذا احتضر أتته ملائكة العذاب بمسح فيقولون: اخرجي ساخطة مسخوطا عليك إلى عذاب الله عز وجل، فتخرج كأنتن ريح جيفة، حتى يأتون به باب الأرض، فيقولون: ما أنتن هذه الريح، حتى يأتون به أرواح الكفار. رواه النسائي، وصححه الألباني.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وأرواح الأحياء إذا قبضت تجتمع بأرواح الموتى، ويسأل الموتى القادم عليهم عن حال الأحياء فيقولون: ما فعل فلان؟ فيقولون: فلان تزوج. فلان على حال حسنة.
ويقولون: ما فعل فلان؟ فيقول: ألم يأتكم؟ فيقولون: لا، ذهب به إلى أمه الهاوية.
وأما أرواح الموتى فتجتمع: الأعلى ينزل إلى الأدنى، والأدنى لا يصعد إلى الأعلى. مجموع الفتاوى.
وقال ابن القيم في كتاب الروح: المسألة الثانية ـ وهي أن أرواح الموتى ـ هل تتلاقى وتتزاور وتتذاكر أم لا؟
وهي ـ أيضا ـ مسألة شريفة كبيرة القدر، وجوابها: أن الأرواح قسمان: أرواح معذبة، وأرواح منعمة، فالمعذبة: في شغل بما هي فيه من العذاب عن التزاور والتلاقي.
والأرواح المنعمة المرسلة غير المحبوسة: تتلاقى وتتزاور وتتذاكر ما كان منها في الدنيا وما يكون من أهل الدنيا، فتكون كل روح مع رفيقها الذي هو على مثل عملها، وروح نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في الرفيق الأعلى. قال الله تعالى : ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا {النساء: 69}.
وهذه المعية ثابتة في الدنيا وفي الدار البرزخ وفي دار الجزاء، والمرء مع من أحب في هذه الدور الثلاثة.
وقال تعالى: يا أيتها النفس المطمئنة * ارجعي إلى ربك راضية مرضية * فادخلي في عبادي * وادخلي جنتي {الفجر: 27-30}.
أي: ادخلي جملتهم وكوني معهم، وهذا يقال للروح عند الموت.
وفي قصة الإسراء من حديث عبد الله بن مسعود قال: لما أسري النبي صلى الله عليه وسلم لقي إبراهيم وموسى وعيسى صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين فتذكروا الساعة. وهذا نص في تذاكر الأرواح العلم.
وقد أخبرنا الله سبحانه وتعالى عن الشهداء بأنهم أحياء عند ربهم يرزقون، وأنهم يستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم، وأنهم يستبشرون بنعمة من الله وفضل، وهذا يدل على تلاقيهم من ثلاثة أوجه:
أحدها: أنهم عند ربهم يرزقون، وإذا كانوا أحياء فهم يتلاقون.
الثاني: أنهم إنما استبشروا بإخوانهم لقدومهم ولقائهم لهم.
الثالث: أن لفظ يستبشرون: يفيد في اللغة أنهم يبشر بعضهم بعضا مثل: يتباشرون.
وقد تواترت المرائي بذلك.
وقد جاءت سنة صريحة بتلاقي الأرواح وتعارفها. اهـ مع حذف.
وقد ساق ـ رحمه الله ـ كثيرا من الشواهد على ذلك.
وانظر الفتاوى التالية أرقامها: 24738، 14368، 15281.
والله أعلم.