السؤال
كيف يشعر المسلم برضى الله عنه؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن على المسلم أن يحرص على اكتساب رضى الله بالعمل بما يحبه الله ويرضاه والبعد عما يسخطه، فيؤمن بالله تعالى ويتعلم ما أراد الله منه، ويمتثل أوامره ويجتنب نواهيه، وليكن في امتثاله واجتنابه مخلصا لله تعالى متابعا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ويحب في الله ويبغض فيه، وقد جاءت النصوص الشرعية مبينة ما يحب الله من العباد فعله وما يحب تركه، فقد ثبت في القرآن أنه سبحانه وتعالى يرضى عن المؤمنين الشاكرين الذين يوالون فيه ويعادون فيه وأنه يحب التوابين والمتطهرين والمتقين والمحسنين والمقسطين والمتوكلين والصابرين والذين يتبعون الرسول صلى الله عليه وسلم، وثبت في القرآن أنه تعالى لا يحب الكافرين والظالمين والمعتدين والمفسدين والمستكبرين والخائنين والمسرفين والفرحين، وأنه لا يحب من كان مختالا فخورا، ولا خوانا أثيما، وقد قدمنا الأدلة في ذلك في الفتوى رقم: 74127.
وأما كون العبد يستشعر أن الله راض عنه: فهذا ما لم يطالب به العبد، وإن العبد مهما عمل من طاعات فهو يرجو من الله الشكور قبولها، ولكنه لا يعلم هل قبلت فينال بها رضا الله أم لا؟ فالقبول لا يكون إلا من المتقين كما في قوله تعالى: قال إنما يتقبل الله من المتقين {المائدة: 27}.
ومن الذي يجزم لنفسه أنه اتقى الله في كل عمل يعمله، فالنفس فيها آفات كثيرة من الغفلة والرياء وحب الظهور وهوى النفس وغير ذلك، قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في رسالة التوبة: فالسعيد يخاف في أعماله أن لا يكون صادقا في إخلاصه الدين لله، أو أن لا تكون موافقة لما أمر الله به على لسان رسوله، ولهذا كان السلف يخافون النفاق على أنفسهم، فذكر البخاري عن أبي عالية، قال: أدركت ثلاثين من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه، ولهذا كانوا يستثنون فيقول أحدهم: أنا مؤمن - إن شاء الله - ومثل هؤلاء يستغفرون الله مما علموه، أو لم يعلموه من التقصير والتعدي ويتوبون من ذلك وهذا مشروع للأنبياء والمؤمنين، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستغفر بعد الصلاة ثلاثا، وقال تعالى: والمستغفرين بالأسحار ـ قالوا: كانوا يحيون الليل صلاة ثم يقعدون في السحر يستغفرون فيختمون قيام الليل بالاستغفار. انتهى.
وبناء عليه، فيتعين على المسلم الجمع بين الخوف من الله ورجاء رحمته ورضاه، فالخوف والرجاء واجبان يلزم العبد أن يتحلى بهما، فلا يأمن مكر الله ولا يقنط من رحمته، وليجعل بين عينيه دائما النصوص الواردة في الأمرين، كقوله تعالى: نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم* و أن عذابي هو العذاب الأليم {الحجر: 49-50}. وقوله تعالى: غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير { غافر: 3}.
وقوله تعالى: ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون { يوسف: 87}.
وقوله تعالى: أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون {الأعراف: 99}.
وقد امتدح الله الأنبياء والعباد الصالحين بالرغب والرهب، فقال: إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين { الأنبياء:90}.
وفي الحديث عن أنس ـ رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على شاب وهو في الموت فقال كيف تجدك؟ قال أرجو الله يا رسول الله وإني أخاف ذنوبي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو وأمنه مما يخاف. رواه الترمذي وحسنه الألباني.
وقد وصف الله المؤمنين بعمل الصالحات مع الخوف من الله، كما قال الله تعالى: أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه {الزمر: 9}.
وقال تعالى: والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون* أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون {المؤمنون: 60-61}.
قالت عائشة: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية: أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟ قال: لا يا بنت الصديق، ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون وهم يخافون أن لا يقبل منهم. رواه الترمذي وابن ماجه وأحمد، وصححه الألباني.
وقال الحسن البصري: المؤمن يعمل بالطاعات وهو مشفق وجل خائف، والفاجر يعمل بالمعاصي وهو آمن. انتهى.
وقال السبكي في طبقات الشافعية الكبرى: الأنبياء عليهم السلام يعلمون أنهم مأمونوا العواقب ومع ذلك هم أشد خوفا، والعشرة المشهود لهم بالجنة كذلك، وقد قال عمر ـ رضي الله عنه: لو أن رجلي الواحدة داخل الجنة والأخرى خارجها ما أمنت مكر الله. انتهى.
وقد بوب البخاري في صحيحه ـ باب: الرجاء مع الخوف ـ قال ابن حجر في الفتح: أي استحباب ذلك فلا يقطع النظر في الرجاء عن الخوف، ولا في الخوف عن الرجاء، لئلا يفضي في الأول إلى المكر، وفي الثاني إلى القنوط، وكل منهما مذموم، والمقصود من الرجاء أن من وقع منه تقصير فليحسن ظنه بالله ويرجو أن يمحو عنه ذنبه، وكذا من وقع منه طاعة يرجو قبولها، وأما من انهمك على المعصية راجيا عدم المؤاخذة بغير ندم ولا إقلاع، فهذا في غرور، وما أحسن قول أبي عثمان الجيزي: من علامة السعادة أن تطيع وتخاف أن لا تقبل ومن علامة الشقاء أن تعطي وترجو أن تنجو. انتهى.
والله أعلم.