الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد أتي السائل من قبل عدم تفريقه بين الشرك الأكبر والأصغر، فاتباع الهوى قد يصل بالمرء إلى الشرك الأكبر، وقد يقتصر على الأصغر، وقد لا يتعدى كونه معصية من المعاصي كبيرة أو صغيرة، وذلك بحسب الحال، فليس اتباع الهوى على درجة واحدة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: أتباع الهوى درجات، فمنهم المشركون والذين يعبدون من دون الله ما يستحسنون بلا علم ولا برهان، كما قال تعالى: {أرأيت من اتخذ إلهه هواه} أي يتخذ إلهه الذي يعبده وهو ما يهواه من آلهة، ولم يقل إن هواه نفس إلهه، فليس كل من يهوى شيئا يعبده، فإن الهوى أقسام .. اهـ.
وقال ابن رجب: قول العبد: لا إله إلا الله، يقتضي أن لا إله له غير الله، والإله هو الذي يطاع فلا يعصى هيبة له وإجلالا ومحبة وخوفا ورجاء وتوكلا عليه وسؤالا منه ودعاء له، ولا يصلح ذلك كله إلا لله عز و جل، فمن أشرك مخلوقا في شيء من هذه الأمور التي هي من خصائص الإلهية، كان ذلك قدحا في إخلاصه في قول: لا إله إلا الله، ونقصا في توحيده، وكان فيه من عبودية المخلوق بحسب ما فيه من ذلك، وهذا كله من فروع الشرك، ولهذا ورد إطلاق الكفر والشرك على كثير من المعاصي التي منشؤها من طاعة غير الله أو خوفه أو رجائه أو التوكل عليه والعمل لأجله، كما ورد إطلاق الشرك على الرياء، وعلى الحلف بغير الله، وعلى التوكل على غير الله والاعتماد عليه، وعلى من سوى بين الله وبين المخلوق في المشيئة، مثل أن يقول: ما شاء الله وشاء فلان، وكذا قوله: ما لي إلا الله وأنت، وكذلك ما يقدح في التوحيد وتفرد الله بالنفع والضر كالطيرة والرقى المكروهة وإتيان الكهان وتصديقهم بما يقولون، وكذلك اتباع هوى النفس فيما نهى الله عنه قادح في تمام التوحيد وكماله، ولهذا أطلق الشرع على كثير من الذنوب التي منشؤها من هوى النفس أنها كفر وشرك، كقتال المسلم، ومن أتى حائضا أو امرأة في دبرها، ومن شرب الخمر في المرة الرابعة، وإن كان ذلك لا يخرجه عن الملة.
ولهذا قال السلف: كفر دون كفر، وشرك دون شرك. وقد ورد إطلاق الإله على الهوى المتبع، قال الله تعالى: (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه) قال: هو الذي لا يهوى شيئا إلا ركبه. وقال قتادة: هو الذي كلما هوي شيئا ركبه وكلما اشتهى شيئا أتاه لا يحجزه عن ذلك ورع ولا تقوى.
وروي من حديث أبي أمامة بإسناد ضعيف: ما تحت ظل سماء إله يعبد أعظم عند الله من هوى متبع .. ويشهد لذلك الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد القطيفة، تعس عبد الخميصة، تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش. فدل ذا على أن كل من أحب شيئا وأطاعه وكان غاية قصده ومطلوبه ووالى لأجله وعادى لأجله فهو عبده وكان ذلك الشيء معبوده وإلهه. اهـ.
وذكر ذلك صاحب (معارج القبول) أيضا.
وقال الشيخ العثيمين: المعاصي من حيث المعنى العام أو الجنس العام، يمكن أن نعتبرها من الشرك، وأما بالمعنى الأخص، فتنقسم إلى أنواع: 1. شرك أكبر. 2. شرك أصغر. 3. معصية كبيرة. 4. معصية صغيرة. اهـ.
وقال الشيخ صالح آل الشيخ: ليس كل طاعة للهوى شرك أكبر أو شرك أصغر، قد تكون طاعة الهوى معصية فقط ... أنواع المعصية من طاعة الهوى ولكن لا تسمى شركا. اهـ.
وهذا الفهم هو الذي ينسجم مع قوله تعالى: وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم {التوبة: 102} فلا إشكال في كون المرء قد يجمع بين اتباع الهوى بالعمل السيئ، وبين الإيمان والعمل الصالح، ولكن ينقص إيمانه بقدر ما فيه من السوء. والقاعدة عند أهل السنة أن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.
وأما إن بلغ اتباع الهوى بصاحبه مرتبة الشرك الأكبر ـ والعياذ بالله ـ فهذا لا تنفعه أعماله الحسنة ما لم يتب إلى الله من الشرك الأكبر. ولمزيد الفائدة عن ذلك يمكن الاطلاع على الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 98374، 55094، 80550