السؤال
بارك الله فيكم، وجزاكم الله خيرا على كل ما تقدمونه. أريد أن أستفسر عن موضوع يتعلق بصلة الرحم، حيث إن لي إخوة كلهم مسافرون في أماكن لا أستطيع السفر إليها، لا برا ولا جوا، حيث إنها منطقة حروب، ولا يدخلها أحد، ولا يخرج منها أحد، ولا أستطيع ماديا أن أتحمل عبء الاتصال بهم دوليا، وعندما أتصل من الطبيعي أن يفتح الخط، ولا يجيب أحد لعيوب في شبكة الاتصالات، وإذا ما استطعت في النهاية أن أحدث أخي دائما نختلف في الرأي حيث إن ما يريده هو يختلف دائما عما أريده، وحقيقة أنا لا أحب الاتصال به أبدا ولا أريد، من باب درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، حيث إن كل اتصال به لم يأت بخير أبدا، وبعد أن كنت لا أكرهه أصبحت أكرهه، ولا أطيق سماع صوته، وذلك بسبب كلامه غير العقلاني، وأخشى لو رأيته أن أتعارك معه، ويعلم الله إلى ماذا ستؤول الأمور، مع العلم أنه لا يتصل بي أبدا أبدا، وعندما كانت أمي تسكن معي كان يتصل ليطمئن عليها، وإذا ما ردت زوجتي لم يكن يكلمها، أو يسلم عليها، وإنما يقول أعطني أمي لأكلمها، وأنا لا أستطيع أن أسامحه على كلام كثير جدا قاله في حقي، فأنا لست ملاكا، وأريد أن أعرف هل إذا توقفت عن الاتصال به نهائيا حتى لا أكرهه أكثر، وتصل المكالمة إلى مرحلة السباب واللعان أكون بذلك ممن قطعوا أرحامهم؟ مع العلم أنني أصل باقي إخوتي وأتصل بهم، وأسأل عنهم وليس بيني وبينهم شيء، وما جزائي عند الله إن توقفت عن الاتصال بذلك الأخ تحديدا؟ وخاصة أنني لا أطيق تحمل نفقة الاتصال به، فهل علي من إثم؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، وبعد:
فإن صلة الرحم من الأمور التي حث عليها الدين الحنيف ورغب فيها، وحذر من قطعها، بل قرن الله تعالى قطع الأرحام بالفساد في الأرض الذي هو من أكبر الكبائر، فقال: فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم. {محمد: 22}.
ويكفي في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يدخل الجنة قاطع. رواه البخاري ومسلم.
ولا يسوغ أن يمنع من ذلك معاملتهم السيئة، بل ينبغي علاج ذلك بالصبر ودفع إساءتهم بالإحسان فالله يقول: ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم * وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم { فصلت:34-35}.
وقد جاء رجل يشكو إلى النبي صلى الله عليه وسلم سوء معاملة أقاربه له فقال: يا رسول الله، إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عليهم ويجهلون علي، فقال: لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير مادمت على ذلك. رواه مسلم وأحمد وأبو داود. والمل هو الرماد الحار.
فالرحم أمرها عظيم في الإسلام ونصوص الشرع متضافرة على وجوب صلتها وتحريم قطعها، فإذا اتقيت الله فيهم، وصبرت على أذاهم فإنه لن يضرك كيدهم، فالله جل وعلا يقول: وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا { آل عمران: 120}.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فمن اتقى الله من هؤلاء وغيرهم بصدق وعدل ولم يتعد حدود الله وصبر على أذى الآخر وظلمه لم يضره كيد الآخر، بل ينصره الله عليه. انتهى.
وبناء عليه، فاحرص قدر المستطاع على التواصل مع أخيك عن طريق الهاتف والسؤال عنه والسلام عليه، وإذا كان ذلك مكلفا فراسله بالكتابة عن طريق البريد الإليكتروني إن أمكن، وإلا فأرسلها عبر البريد العادي، قال القاضي عياض: وصلة الأرحام درجات بعضها أفضل من بعض، وأدناها ترك المهاجرة وصلتها بالكلام ولو بالسلام، ويختلف ذلك باختلاف القدرة والحاجة، فمنها واجب، ومنها مستحب، فلو وصل بعض الصلة ولم يصل غايتها لم يسم قاطعا، ولو قصر عما يقدر عليه ينبغي له لم يسم واصلا. انتهى.
وجاء في حاشية البجيرمي على الخطيب: فالواجب صلة الرحم بالزيارة والهدية، فإن لم يقدر على الصلة بالمال فليصلهم بالزيارة وبالإعانة في أعمالهم إن احتاجوا إليه، وإن كان غائبا يصلهم بالكتاب، فإن قدر على السير إليهم كان أفضل، وفي صلة الرحم عشر خصال محمودة، ثم ذكرها. اهـ.
والله أعلم.