السؤال
كيف الخلاص؟ أقسم بالله إنني أرائي الخلق، ويهمني أن يروني على خير، وأكره الخطأ أمامهم، في حين أنني لا ألقي لرقابة الله علي بالا سألت كثيرا في الأمر، أردت تدريب نفسي على الإخلاص لكن لم أفعل ولا أدري كيف أفعل؟ وليس معنى ريائي أنني أصلي أمام الناس ولا أصلي في بيتي مثلا، وليس معناه أنني أطيل سجودي أمام الناس، وعندما أكون وحدي أكون بخلاف ذلك، لا بل مستحيل أن يكون هذا، وإنما مثلا أستميت في أمر، كسرعة حفظ القرآن وعدم الخطأ أثناء التسميع إلا قليلا، فإن أخطأت يوما بكثرة لم أستشعر أنني أخطأت في كلام ربي، بل إنني كيف أكون المميزة وأخطئ أمامهم، ومثلا كنت جدا متفوقة، والآن درجاتي قلت بسبب إهمالي فمثلا لا أحب أن يعلم أحد بها على هذا الحال كي لا تتغير نظرتهم لي، وعندما أفكر في معاودة التفوق أتخيل الناس ورضاهم فقط وكل حياتي لغير الله.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس ما بك هو الرياء المحبط للعمل، وإنما الرغبة في ثناء الناس ومدحهم مما جبلت عليه النفوس، وهي لا تذم بإطلاق ولا تمدح بإطلاق، بل تكون هذه الرغبة محمودة إذا كان مراد الشخص الفرح بما يثنى عليه لكونه علامة على قبول الله عمله ورضاه عنه فيستبشر بذلك ويرجو الخير من الله تعالى، وقد روى ابن ماجه بإسناد حكم عليه في الزوائد بالصحة: عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أهل الجنة، من ملأ الله أذنيه من ثناء الناس خيرا، وهو يسمع، وأهل النار، من ملأ الله أذنيه من ثناء الناس شرا، وهو يسمع.
والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، فمن سره مدح الناس ورغب فيه لهذا الغرض كان ذلك منه أمرا حسنا، وأما الركون إلى مجرد مدح الناس وطلبه والرغبة فيه لاعتقاد أن مجرد مدحهم فضيلة، وأن مدحهم مما يزين وذمهم مما يشين فلا شك في كونه أمرا مذموما، وهو من القواطع التي تعوق القلب عن تمام سيره إلى الله تعالى، وعلى العبد أن يصدق في طلب التخلص من هذه الآفة ليستقيم له سيره إلى ربه، يقول ابن القيم ـ رحمه الله: والوقوف عند مدح الناس وذمهم علامة انقطاع القلب، وخلوه من الله، وأنه لم تباشره روح محبته ومعرفته ولم يذق حلاوة التعلق به والطمأنينة إليه. انتهى.
والتخلص من هذا يكون بإحضار معاني أسماء الرب تعالى وصفاته في القلب، واستشعار فناء الدنيا وحقارتها، وأن جميع البشر لو أثنوا على العبد وهو عند الله مذموم لم ينفعه ذلك، ولو ذموه وهو عند الله محمود لم يضره ذلك، فالذي يزين مدحه ويشين ذمه هو الله تعالى وحده، قال الإمام المحقق ابن القيم عليه الرحمة:
وأما الزهد في الثناء والمدح فيسهله عليك علمك أنه ليس أحد ينفع مدحه ويزين ويضر ذمه ويشين إلا الله وحده، كما قال ذلك الأعرابي للنبي إن مدحي زين وذمي شين، فقال ذلك الله عز وجل، فازهد في مدح من لا يزينك مدحه وفي ذم من لا يشينك ذمه وارغب في مدح من كل الزين في مدحه وكل الشين في ذمه، ولن يقدر على ذلك إلا بالصبر واليقين، فمتى فقدت الصبر واليقين كنت كمن أراد السفر في البحر في غير مركب: قال تعالى: فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون، وقال تعالى: وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون. انتهى.
وكلما قويت معرفة العبد بربه واستشعر كماله المطلق من جميع الوجوه انصرفت همته إليه وانقطع عن الرغبة فيما سواه، فجاهدي نفسك أيتها الأخت الكريمة على تحصيل هذه المطالب العالية، واعلمي أنك بصدق المجاهدة تنالين مطلوبك ـ بإذن الله ـ فإنه تعالى تكفل بمعونة من جاهد نفسه فيه فقال جل اسمه: والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين { العنكبوت:69}.
نسأل الله أن يرزقنا وإياك الإخلاص والصدق.
والله أعلم.