من أسباب انشراح الصدر وزوال الضيق والهم

1 490

السؤال

عندي مشكلة كبيرة وهي أنني لا أستطيع المذاكرة ولا أستطيع قراءة الكتب، أحس بضيق كبير وهم، وعدت ربي الفصل الماضي أنني إذا نجحت سألتزم وأذاكر جيدا وأهتم بدراستي، لكني أخلفت وعدي مع الله، نعم خالفته وأحس أني حقير لأني لم أستطع أن أفي بوعدي، ولم أحسن كما أحسن الله إلي. والآن لدي امتحانات ولم أستطع المذاكرة، أحس بضيق جدا حتى عند قراءة الكتب وأحس دائما بالخمول والكسل، وصرت أتثاقل في النوافل وأصلي الفرائض فقط، وأستيقظ لصلاة الفجر مع المنبه ثم أنام مرة أخرى من الكسل.
فادعو لي بالهداية والثبات، وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

 فنسأل الله تعالى لنا ولك الهدى والثبات، وأن يعيذنا وإياك من الهم والحزن وضيق الصدر وكل مكروه في الدنيا والآخرة.

وعليك باللجوء إلى الله والتضرع إليه أن يهديك ويثبتك على دينه، فهذا مسلك المؤمنين كما حكى عنهم القرآن، قال سبحانه: ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب {آل عمران: 8}، وقال تعالى: ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا {البقرة: 250}، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك. رواه الترمذي عن أنس.

هذا مع الحرص على الصحبة الصالحة والرفقة المؤمنة، فهي مما يشد أزر المسلم في التزامه ويعينه على التمسك بدينه، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل. رواه أبو داود.
واعلم أن ما ينزل بالمؤمنين من المصائب والآلام والهموم والأحزان يؤجرون عليه ويكفر به من سيئاتهم، ففي الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه. وعليك باللجوء الى الله تعالى ودعائه وسؤاله أن يفرج ما بك، واصدق التوبة إلى الله سبحانه من الذنوب والمعاصي - التي هي سبب البلاء والضيق - فإن الله سبحانه بحكمته وفضله قد جعل الرضا والفرح والسرور والنشاط والأنس وقرة العين في طاعته وامتثال أوامره. فقال سبحانه: من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة. {النحل:97}. وقال سبحانه: فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى. {طه:123}.

وجعل أضداد هذه من الهم والحزن والضيق في التفريط في الطاعة وفعل المعصية. فما يجده الإنسان من هم وغم وضيق في الصدر ونكد في العيش فإن هذا غالبا ما يكون ثمرة من ثمرات المعاصي النكدة ونتاج من نتاجها المر. قال الله سبحانه: ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى.{طه:124}.

ومن الأدعية المأثورة في هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: ما أصاب أحدا هم ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك وابن عبدك، وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو علمته أحدا من خلقك، أو أنزلته في كتابك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي، إلا أذهب الله همه وحزنه، وأبدله مكانه فرحا، فقيل: يا رسول الله ألا نتعلمها؟ فقال: بلى، ينبغي لمن سمعها أن يتعلمها. رواه أحمد، وصححه الألباني.

وفي صحيح البخاري عن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: كنت أسمع النبي صلى الله عليه وسلم يكثر القول: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والبخل والجبن. وعن أبي سعيد الخدري قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد ذات يوم، فإذا برجل من الأنصار يقال له أبو أمامة، فقال: يا أبا أمامة مالي أراك جالسا في المسجد في غير وقت الصلاة؟ قال: هموم لزمتني وديون يا رسول الله، فقال: أفلا أعلمك كلاما إذا قلته أذهب الله همك وقضى عنك دينك؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: قل إذا أصبحت وإذا أمسيت: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال. قال: فقلت ذلك، فأذهب الله تعالى همي وغمي وقضى ديني. رواه أبو داود.

وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في كتابه زاد المعاد جملة من أسباب شرح الصدور ينبغي للمسلم السعي في تحصيلها والبعد عن ضدها الذي يسبب الضيق فقال: أعظم أسباب شرح الصدر: التوحيد وعلى حسب كماله، وقوته، وزيادته يكون انشراح صدر صاحبه. قال الله تعالى: {أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه}. [الزمر: 22]. وقال تعالى: {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام، ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد فى السماء}. [الأنعام: 125]. فالهدى والتوحيد من أعظم أسباب شرح الصدر، والشرك والضلال من أعظم أسباب ضيق الصدر وانحراجه.

ومنها: النور الذى يقذفه الله فى قلب العبد، وهو نور الإيمان، فإنه يشرح الصدر ويوسعه، ويفرح القلب. فإذا فقد هذا النور من قلب العبد، ضاق وحرج، وصار فى أضيق سجن وأصعبه. وقد روى الترمذى فى جامعه عن النبى صلى الله عليه وسلم، أنه قال: إذا دخل النور القلب، انفسح وانشرح . قالوا: وما علامة ذلك يا رسول الله؟ قال: "الإنابة إلى دار الخلود، والتجافى عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل نزوله. فيصيب العبد من انشراح صدره بحسب نصيبه من هذا النور، وكذلك النور الحسى، والظلمة الحسية، هذه تشرح الصدر، وهذه تضيقه.

ومنها: العلم، فإنه يشرح الصدر، ويوسعه حتى يكون أوسع من الدنيا، والجهل يورثه الضيق والحصر والحبس، فكلما اتسع علم العبد، انشرح صدره واتسع، وليس هذا لكل علم، بل للعلم الموروث عن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو العلم النافع، فأهله أشرح الناس صدرا، وأوسعهم قلوبا، وأحسنهم أخلاقا، وأطيبهم عيشا.

ومنها: الإنابة إلى الله سبحانه وتعالى، ومحبته بكل القلب، والإقبال عليه، والتنعم بعبادته، فلا شىء أشرح لصدر العبد من ذلك.

ومن أسباب شرح الصدر: دوام ذكره على كل حال، وفى كل موطن، فللذكر تأثير عجيب فى انشراح الصدر، ونعيم القلب، وللغفلة تأثير عجيب فى ضيقه وحبسه وعذابه.

ومنها: الإحسان إلى الخلق ونفعهم بما يمكنه من المال، والجاه، والنفع بالبدن، وأنواع الإحسان، فإن الكريم المحسن أشرح الناس صدرا، وأطيبهم نفسا، وأنعمهم قلبا، والبخيل الذى ليس فيه إحسان أضيق الناس صدرا، وأنكدهم عيشا، وأعظمهم هما وغما. وقد ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الصحيح مثلا للبخيل والمتصدق، كمثل رجلين عليهما جنتان من حديد، كلما هم المتصدق بصدقة، اتسعت عليه وانبسطت، حتى يجر ثيابه ويعفى أثره، وكلما هم البخيل بالصدقة، لزمت كل حلقة مكانها، ولم تتسع عليه. فهذا مثل انشراح صدر المؤمن المتصدق، وانفساح قلبه، ومثل ضيق صدر البخيل وانحصار قلبه. انتهى بتصرف.

هذا، وننصحك بعدم الاستسلام لما تعاني منه، وبالجد في التحصيل العلمي، ومما يساعد على ذلك كثرة النظر في فضل العلم والصبر عليه ، وقراءة سير السلف الصالح وعلو هممهم في الطلب ومثابرتهم، ومن أحسن المؤلفات في هذا كتاب صفحات من صبر العلماء في طلب العلم لأبي غدة رحمه الله. ويمكن لك عند الملل من مادة ما أن تروح عن نفسك بالانتقال عنها إلى مادة أخرى، وعليك بالاستعانة ببعض الزملاء لينشطك، فقد قال أحد الحكماء، نبت العلم بين اثنين، ويمكن الترفيه أحيانا بقراءة كتب السير وبعض القصص المفيدة أو ببعض التسالي المباحة، وتشرع لك الرقية من العين ولو لم تكن مصابا بالفعل، فان الرقية للمصاب وغيره.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات