السؤال
سؤالي ليس من مبدأ الشك بقدر ما هو من باب زيادة اليقين بعدل الله سبحانه وتعالى، والسؤال هو: لماذا خلقنا الله سبحانه وتعالى وخلق العذاب لمن يعصيه ولا يطيع أوامره مع أننا كلنا بشر لا نسلم من الخطأ وفي نفس الوقت أنا أؤمن بأن الله سبحانه وتعالى غني عن عذابنا وما خلقنا ليعذبنا سبحانه فهو الغني عن عذابنا؟ أرجو أن يكون سؤالي واضحا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد خلق الله تعالى الإنسان للعبادة وجعله ممتحنا في هذه الدنيا بالأحكام الشرعية كالأوامر والنواهي، وبناء على نتيجة هذا الامتحان تكون عاقبة الإنسان من النعيم أو الجحيم، ومن مظاهر عدل الله وحكمته أنه يعامل العاصي بجزاء السيئة بمثلها فهو سبحانه وتعالى يعاقب العباد على ما فرط منهم من المعاصي عدلا منه، ويثيبهم على ما قدموه من الإحسان تفضلا منه وكرما وهو سبحانه لا حاجة له في تعذيب أحد فهو سبحانه وتعالى أعدل من ملك وهو أرحم الراحمين ولم يخلق الله عباده ليعذبهم، كما قال تعالى: ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان الله شاكرا عليما {النساء:147}.
وإنما خلق الخلق ليعبدوه، قال تعالى: وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون {الذاريات:56}.
وفطرهم سبحانه على التوحيد وبين لهم السبيل وأرسل إليهم رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل، ولم يؤاخذهم سبحانه قبل قيام الحجة عليهم، وقبل تبين الحق وظهوره، قال تعالى: وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون {التوبة:115}.
فإن انحرف الإنسان عما خلق من أجله وأبى إلا الشرك والكفر استحق العقاب على شركه وانحرافه فكان عذابه حينئذ جزاء وفاقا ولم يكن فيه ما ينافي العدل، واعلم أن الله تعالى أعطى العبد مشيئة واختيارا وأراه طريق الخير ليسلكها وطريق الشر ليبتعد عنها والعقلاء يعلمون أن العاصي يأتي الشر والمعصية بدافع شهوته ورغبته ولا يحس أنه مقهور عليه، قال ابن كثير في تفسير قول الله تعالى: وهديناه النجدين ـ أي بينا له الخير والشر وكل إنسان يحس من نفسه ذلك وأنه غير مرغم على مقارفة المعاصي، ولكن بعض الناس يتعامون عن الهدى كما فعلت قوم ثمود الذين قال الله عنهم في كتابه: وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى فأخذتهم صاعقة العذاب الهون بما كانوا يكسبون ونجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون { فصلت:17-18} وأما الاحتجاج بالقدر على المعاصي فهو نفس الاحتجاج الذي أورده كفار قريش لما نهوا عن عبادة الأصنام قالوا: وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم {الزخرف:20} وقال الله تعالى عنهم: سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون {الأنعام:148}.
فعلى العبد إذا ضعف وأخطأ أن يعالج ذلك بالتوبة والانابة، فإن الله تعالى تكرم على عباده بفتح باب التوبة ما لم تبلغ الروح الحلقوم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال: والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم. رواه مسلم.
وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون. رواه الترمذي وابن ماجه وأحمد، وحسنه الألباني.
قال الشيخ مرعي الحنبلي: وأما الذنوب فليس لأحد أن يحتج على فعلها بقدر الله، بل عليه أن لا يفعلها، وإذا فعلها فعليه أن يتوب منها كما فعل آدم عليه السلام، قال بعض السلف: اثنان أذنبا، آدم وإبليس، فآدم تاب فتاب الله عليه واجتباه، وإبليس أصر على معصيته واحتج بالقدر فلعن وطرد، فمن تاب من ذنبه أشبه بآدم، ومن أصر وأحتج بالقدر أشبه إبليس، ومن تاب لا يحسن لومه على ذنبه الذي صدر منه. اهـ.
والله أعلم.