السؤال
يقول الله عز وجل: "ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون.......الآية, فهل عقاب الظالمين مؤخر إلى يوم القيامة؟
يقول الله عز وجل: "ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون.......الآية, فهل عقاب الظالمين مؤخر إلى يوم القيامة؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يلزم تأخير العقوبة إلى يوم القيامة فإنه قد ينال الظالم في الدنيا من عقوبة الله تعالى ما شاء الله، وقد يملي له ثم يأخذه أخذة شديدة، كما في حديث الصحيحين: إن الله ليملي للظالم، فإذا أخذه لم يفلته، ثم قرأ: وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد.
وقد جاء في كتاب الله تعالى ذكر بعض العقوبات لمن عجل الله لهم العقوبة, كما في قوله تعالى: (فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون * فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين) [الأنعام:44-45], وكقوله: ( ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريبا من دارهم حتى يأتي وعد الله إن الله لا يخلف الميعاد) [الرعد:31], وقوله : (فكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها وبئر معطلة وقصر مشيد * أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور * ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون * وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها وإلي المصير*). الحج 45-48], وقوله تعالى: واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون * فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين {القصص:39-40}.
قال الطبري: وقوله:( فانظر كيف كان عاقبة الظالمين) يقول تعالى ذكره: فانظر يا محمد بعين قلبك: كيف كان أمر هؤلاء الذين ظلموا أنفسهم فكفروا بربهم، وردوا على رسوله نصيحته، ألم نهلكهم فنورث ديارهم وأموالهم أولياءنا، ونخولهم ما كان لهم من جنات وعيون وكنوز، ومقام كريم، بعد أن كانوا مستضعفين، تقتل أبناؤهم، وتستحيا نساؤهم، فإنا كذلك بك وبمن آمن بك وصدقك فاعلون مخولوك وإياهم ديار من كذبك، ورد عليك ما أتيتهم به من الحق وأموالهم، ومهلكوهم قتلا بالسيف، سنة الله في الذين خلوا من قبل. اهـ
وهذا من حكمته تعالى حيث يعجل عقاب بعض الناس, ويؤخر البعض ليوم القيامة, فإنه لو عجل عقاب الجميع لهلك الناس, فقد قال الشيخ الأمين الشنقيطي في الأضواء عند الكلام على قول الله تعالى: ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون {النحل:61} قال: ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه لو عاجل الخلق بالعقوبة لأهلك جميع من في الأرض، ولكنه حليم لا يعجل بالعقوبة؛ لأن العجلة من شأن من يخاف فوات الفرصة، ورب السموات والأرض لا يفوته شيء أراده, وذكر هذا المعنى في غير هذا الموضع, كقوله في آخر سورة فاطر:{ ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا، وقوله: { وربك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب} [ الكهف : 58 ] الآية, وأشار بقوله: {ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى} إلى أنه تعالى يمهل ولا يهمل, وبين ذلك في غير هذا الموضع, كقوله: {ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار} [ إبراهيم : 42 ]، وقوله: {ولولا أجل مسمى لجآءهم العذاب} [العنكبوت :53]. اهـ
والله أعلم.