التقصير في العمل الصالح والانشغال عن الآخرة أحيانا ليس نفاقا

0 243

السؤال

شخص يقول: إنني في حال الرخاء والسعة وانشغالي في أمور هذه الدنيا أجد قسوة في قلبي, وتقصيرا في عملي, وإقبالا على الدنيا, وغفلة عن الآخرة، وفي حال الضيق والشدة والشعور بدنو الأجل يرق قلبي, وأجده مقبلا على الآخرة, معرضا عن الدنيا, كما أجد من نفسي نشاطا وخفة لعمل الخير, فهل هذا الشخص مخادع لنفسه وغير صادق الإيمان واليقين؟ وهل هو منافق ونحو ذلك؟
أفيدونا - جزاكم الله خيرا -.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

 فإن هذا الشخص لا يوصف بالنفاق؛ لأن النفاق هو إظهار الخير وإسرار الشر, وراجع في خطره وأسباب السلامة منه الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 1854، 71083، 33818.

وأما شعور العبد بضعف في المراقبة، والغفلة عن الآخرة, أو نقص في كمال التوجه إلى الله تعالى، فهذا أمر لا يسلم منه أحد، وقد اشتكى منه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عندما شعروا به، ففي الحديث الذي يرويه مسلم في صحيحه عن حنظلة الأسيدي قال: لقيني أبو بكر فقال كيف أنت يا حنظلة؟ قلت نافق حنظلة! قال: سبحان الله! ما تقول. قال: قلت: نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات فنسينا كثيرا, قال أبو بكر: فوالله إنا لنلقى مثل هذا, فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم. قلت: نافق حنظلة يا رسول الله, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وما ذاك", قلت: يا رسول الله نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأي عين فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيرا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده إن لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة ثلاث مرات" أي لا يكون الرجل منافقا بأن يكون في وقت على الحضور والتدبر والتفكر وأداء حقوق الله، وفي وقت على الفتور وقضاء حوائج نفسه, ومخالطة أولاده وزوجه وأمواله.

وينبغي للمسلم دائما أن يراقب الله تعالى في كل أوقاته, وأن يحذر نفسه وجوارحه حتى لا تقع في المعصية أوقات الانشغال بالكسب, وأن يحاسبها عند حصول الخطأ, فقد قال ابن القيم - رحمه الله -: وقد مثلت النفس مع صاحبها بالشريك في المال، فكما أنه لا يتم مقصود الشركة من الربح إلا بالمشارطة على ما يفعل الشريك أولا، ثم بمطالعة ما يعمل، والإشراف عليه ومراقبته ثانيا، ثم بمحاسبته ثالثا، ثم بمنعه من الخيانة إن اطلع عليه رابعا، فكذلك النفس: يشارطها أولا على حفظ الجوارح السبعة التي حفظها هو رأس المال، والربح بعد ذلك, فمن ليس له رأس مال، فكيف يطمع في الربح؟ وهذه الجوارح السبعة وهي: العين، والأذن، والفم، واللسان، والفرج، واليد، والرجل, هي مراكب العطب والنجاة، فمنها عطب من عطب بإهمالها. وعدم حفظها، ونجا من نجا بحفظها ومراعاتها، فحفظها أساس كل خير، وإهمالها أساس كل شر, فإذا شارطها على حفظ هذه الجوارح انتقل منها إلى مطالعتها والإشراف عليها ومراقبتها، فلا يهملها، فإنه إن أهملها لحظة رتعت في الخيانة ولا بد، فإن تمادى على الإهمال تمادت في الخيانة حتى تذهب رأس المال كله، فمتى أحس بالنقصان انتقل إلى المحاسبة، فحينئذ يتبين له حقيقة الربح والخسران، فإذا أحس بالخسران وتيقنه استدرك منها ما يستدركه الشريك من شريكه: من الرجوع عليه بما مضى، والقيام بالحفظ والمراقبة في المستقبل، ولا مطمع له في فسخ عقد الشركة مع هذا الخائن، والاستبدال بغيره، فإنه لا بد له منه فليجتهد في مراقبته ومحاسبته، وليحذر من إهماله, ويعينه على هذه المراقبة والمحاسبة معرفته أنه كلما اجتهد فيها اليوم استراح منها غدا إذا صار الحساب إلى غيره، وكلما أهملها اليوم اشتد عليه الحساب غدا. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات