السؤال
هل يمكن تحقيق التوازن بين النفس اللوامة والنفس الأمارة بالسوء؟ وكيف؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل الإجابة عن السؤال لا بد من معرفة مراتب النفس, قال ابن عثيمين ـ رحمه الله: والنفوس ثلاث: نفس شريرة: وهي الأمارة بالسوء, ونفس خيرة: وهي المطمئنة تأمر بالخير, ونفس لوامة, وكلها مذكورة في القرآن: فالنفس الشريرة التي تأمر بالسوء مذكورة في سورة يوسف: "وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء"{ يوسف: 53 }, والنفس المطمئنة الخيرة التي تأمر بالخير مذكورة في سورة الفجر: "يا أيتها النفس المطمئنة * ارجعي إلى ربك راضية مرضية * فادخلي في عبادي * وادخلي جنتي"{ الفجر: 28-30 }, والنفس اللوامة مذكورة في سورة القيامة: "لا أقسم بيوم القيامة * ولا أقسم بالنفس اللوامة"{ القيامة: 1-2 }, فهل النفس اللوامة غير النفسين: الخيرة والسيئة؟ أو هي النفسان؟ من العلماء من يقول: إنها نفس ثالثة, ومنهم من يقول: بل هي وصف للنفسين السابقتين، فمثلا: النفس الخيرة تلومك متى؟ إذا عملت سوءا، أو فرطت في واجب تلومك, والنفس الشريرة تلومك متى؟ إذا فعلت خيرا، أو تجنبت محرما لامتك: كيف تحجر على نفسك؟ لماذا لم تتحرر؟ لماذا لا تفعل كل ما تريد؟ تقولها النفس الأمارة بالسوء, أما النفس الخيرة: فتلومك عند فعل الشر وترك الخير, والنفس الأمارة بالعكس. اهـ .
وقال ابن القيم: والنفس قد تكون تارة أمارة، وتارة لوامة، وتارة مطمئنة، بل في اليوم الواحد والساعة الواحدة يحصل منها هذا وهذا, والحكم للغالب عليها من أحوالها، فكونها مطمئنة وصف مدح لها, وكونها أمارة بالسوء وصف ذم لها, وكونها لوامة ينقسم إلى المدح والذم، بحسب ما تلوم عليه. اهـ. وانظري فتوانا رقم: 140529.
وعليه؛ فلا يظهر وجه السؤال عن التوازن بين النفسين اللوامة والأمارة بالسوء؛ لأنهما إن كانتا قسيمين فلا يطلب التوازن بينهما, وإن كانت اللوامة صفة للأمارة والمطمئنة فلا توازن بين الشيء وصفته، وإنما يؤمر المسلم بأن يجاهد نفسه الأمارة بالسوء بتهذيبها وتربيتها حتى تكون نفسا مطمئنة، قال تعالى : والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين {العنكبوت:69}، وقال صلى الله عليه وسلم : المجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله. أخرجه الترمذي, وقال: حسن صحيح، وصححه ابن حبان, وهذا هو أعظم الجهاد،.
قال ابن القيم: وأفرض الجهاد جهاد النفس, وجهاد الهوى, وجهاد الشيطان, وجهاد الدنيا, فمن جاهد هذه الأربعة في الله هداه الله سبل رضاه الموصلة إلى جنته, وقال: وقد ركب الله سبحانه في الإنسان نفسين: نفسا أمارة, ونفسا مطمئنة، وهما متعاديتان، فكل ما خف على هذه ثقل على هذه، وكل ما التذت به هذه تألمت به الأخرى، فليس على النفس الأمارة أشق من العمل لله وإيثار رضاه على هواها، وليس لها أنفع منه، وليس على النفس المطمئنة أشق من العمل لغير الله، وما جاء به داعي الهوى, وليس عليها شيء أضر منه، والملك مع هذه عن يمنة القلب، والشيطان مع تلك عن يسرة القلب، والحروب مستمرة لا تضع أوزارها إلا أن يستوفى أجلها من الدنيا، والباطل كله يتحيز مع الشيطان والأمارة، والحق كله يتحيز مع الملك والمطمئنة، والحرب دول وسجال، والنصر مع الصبر، ومن صبر وصابر ورابط واتقى الله فله العاقبة في الدنيا والآخرة، وقد حكم الله تعالى حكما لا يبدل أبدا: أن العاقبة للتقوى، والعاقبة للمتقين.
ومن وسائل إصلاح النفس: المحافظة على الفرائض، والإكثار من النوافل، وتلاوة القرآن العظيم وتدبره، ومداومة ذكر الله عز وجل، وشهود مجالس العلم، ومحاسبة النفس على ما تدعوه إليه من الشهوات والمعاصي، ومصاحبة الصالحين, والإكثار من دعاء الله أن يكفي العبد شر نفسه, وانظري الفتاوى: 3226 63726 31296 10263 58477.
والله أعلم.