السؤال
كثيرا ما يحدث حوار في الدين بيني وبين أهلي (خاصة أبي) وينتهي بأن يعلو صوتي عن الحد الذي كنت أتكلم به، ولكني أشهد الله أن هذا لم يكن سوء أدب مني، ولكن قولهم يستفزني كثيرا، فلا أحس بصوتي وهو عال، فهم يقولون أشياء غريبة جدا مثل أنهم مثلا لا يؤمنون بكفر النصارى، وتصديق بعض الجهال الذين يقولون بأن البخاري فيه أحاديث ضعيفة، وأن حلق اللحية مثلا ليس من الدين، أو مثلا أن هيئة ما تمنع إعفاء اللحية، فأقول لهم إن هذا ضد الدين، فيقولون لي إني لا أفهم شيئا؛ مما سبب لي الكثير من الاضطراب النفسي، والإحساس بأني في حرب يومية في الدين، كل يوم على مسألة ما.
ماذا علي أن أفعل هل أترك نصحهم للأبد أم أصبر عليهم مع تشكيكهم بكل ما أقول لهم، علما أني أواجههم بالدليل من القرآن والسنة، وأيضا لا يقتنعون، فهم باختصار لا يعينونني على الطاعة مما يجعلهم يقولون لي إني متشددة تارة، ومتطرفة تارة أخرى؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجزاك الله خيرا على حرصك على التمسك بالدين، وهداية أهلك إلى الهدي القويم، ولا شك في أن المتمسك بدينه لا يعتبر متشددا التشدد المذموم، وقد سبق لنا بيان ماهية التشدد المذموم بالفتوى رقم: 69967 ، والفتوى رقم: 139733.
واعلمي أنه لا تجوز الإساءة للوالدين، ولا رفع الصوت عليهما؛ فإن الشرع قد حرم إظهار التضجر منهما ولو بالتأفيف، فرفع الصوت أولى بالمنع؛ قال تعالى: وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما {الإسراء:23}. واستفزازهما لك لا يسوغ رفع الصوت عليهما. فالواجب عليك التوبة واستسماح والديك. وراجعي الفتوى رقم: 107035.
ويبدو أن والديك يعيشان جهلا، ويقلدان غيرهما في دينهما على غير بصيرة، فنوصي بالدعاء لهما والرفق بهما، وتعليمهما أمور دينهما، ولا يلزم أن يكون ذلك منك مباشرة، بل يمكنك أن تسلطي عليهما بعض الفضلاء ممن ترجين أن يقبلا قوله، أو أن تسمعيهما شيئا من المحاضرات ونحو ذلك من طريق غير مباشر. وعليك بالاستمرار في النصح ما رجوت نفعه، فإن خشيت أن يؤدي النصح إلى عكس المقصود منه، فالأفضل تركه، وتحين الوقت المناسب لنفعه، وللفائدة يمكنك الاطلاع على الفتويين: 119075 - 131259.
وعلى كل فإننا نوصيك بالرفق بهم، وأن تحرصي على أن تكوني قدوة صالحة لهم، ودفع إساءتهم بالإحسان إليهم، فعاقبة ذلك خير إن شاء الله، قال تعالى: ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم {فصلت:34}.
قال ابن كثير في تفسيره وهو يبين معنى هذه الآية: أي: إذا أحسنت إلى من أساء إليك، قادته تلك الحسنة إليه إلى مصافاتك ومحبتك، والحنو عليك، حتى يصير كأنه ولي لك حميم أي: قريب إليك من الشفقة عليك، والإحسان إليك. اهـ.
وبالنسبة لمسألة كفر النصارى، فقد سبق لنا توضيحها بالفتوى رقم: 180943.
وأحاديث الصحيحين قد سبق الكلام عنها بالفتوى رقم: 43428، والفتوى رقم: 134033.
وأمر اللحية من الدين، وإعفاؤها من سنة الرسول الأمين صلى الله عليه وسلم؛ وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 141423.
والله أعلم.