السؤال
شيخنا الفاضل.
أنا فتاة أحب أن أعلم كثيرا عن أمور الموت؛ لأنها تزيد في إيماني، وتجعلني أكره المعاصي كسماع الأغاني مثلا.
ولدي أسئلة تحيرني كثيرا. أرجو أن أجد إجابتها لديك.
-أين تذهب الروح عندما يأخذها ملك الموت؟
- هل دار البرزخ تحت الأرض أم في السماء؟
- هل روح الميت تقابل الله مباشرة بعد أخذها من الجسد؟
- هل ملك الموت يأتي بهيئته الحقيقية عند أخذ الروح ؟ وهل هو مرعب؟
- هل ترى روح الميت أهله، والناس الذين ماتوا قبله في دار البرزخ؟
- هل يبشر الميت بالجنة بعد إجابته عن الأسئلة الثلاثة؟
- كيف يكون شكل الأرواح في دار البرزخ؟ هل يصبحون في سن واحد؟
- هل يرى الميتون الملائكة، والجن والشياطين في دار البرزخ؟
- هل المؤمنون يرون الكافرين في دار البرزخ؟
- إذا كان المؤمنون يذهبون لدار البرزخ فأين يذهب الكفار؟
- العصاة من المؤمنين هل يتعذبون في قبورهم ؟ أو في دار البرزخ؟ كمن يسمع الأغاني مثلا؟
وأخيرا وليس آخرا كيف هي حياة دار البرزخ؟ هل يأكلون، ويعطشون، ويقضون حاجاتهم مثلنا أم لا؟
أعتذر عن الإطالة، لكنني متلهفة لسماع الأجوبة منك يا شيخنا الفاضل.
وجزاكم الله عنا خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فحياة البرزخ حياة متوسطة بين الدنيا والآخرة، وتبدأ من حين قبض روح الإنسان، وتستمر حتى البعث وقيام الساعة، وحقيقة ما يحصل فيها وتفصيل ذلك لا يعلمه إلا الله، وليس هناك من سبيل لمعرفة شيء من ذلك إلا من طريق الوحي المعصوم: كتاب وسنة؛ وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 142947.
وقد سبق أن أشرنا إلى جواب أسئلة السائلة في فتاوى متفرقة، فراجعي الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 11722، 4276، 15281، 4314، 149125، 134413، 131889، 196401، 15269، 151117، 151983.
ويبقى منها سؤالان:
ـ الأول: هل ملك الموت يأتي بهيئته الحقيقية عند أخذ الروح ؟ وهل هو مرعب؟ وجوابه: لا نعلم فيه شيئا ثابتا عن المعصوم صلى الله عليه وسلم.
وقد عقد القرطبي في كتاب (التذكرة) بابا لما جاء في صفة ملك الموت عند قبض روح المؤمن والكافر، قال فيه: قال علماؤنا رحمهم الله: وأما مشاهدة ملك الموت عليه السلام، وما يدخل على القلب منه من الورع والفزع، فهو أمر لا يعبر عنه لعظم هوله وفظاعة رؤيته، ولا يعلم حقيقة ذلك إلا الذي يبتدئ له ويطلع عليه، وإنما هي أمثال تضرب، وحكايات تروى.. اهـ. وذكر بعض الحكايات الإسرائيلية.
ـ والثاني عن شكل الأرواح في دار البرزخ؟ وهل يصبحون في سن واحدة؟ وأصل جوابه في قوله تعالى: ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا [الإسراء: 85]
وقد قال ابن القيم في كتاب (الروح): ومما ينبغي أن يعلم أن ما ذكرنا من شأن الروح يختلف بحسب حال الأرواح من القوة والضعف، والكبر والصغر، فللروح العظيمة الكبيرة من ذلك ما ليس لمن هو دونها، وأنت ترى أحكام الأرواح في الدنيا كيف تتفاوت أعظم تفاوت بحسب تفارق الأرواح في كيفياتها وقواها، وإبطائها وإسراعها، والمعاونة لها، فللروح المطلقة من أسر البدن وعلائقه، وعوائقه من التصرف والقوة والنفاذ والهمة، وسرعة الصعود إلى الله، والتعلق بالله ما ليس للروح المهينة المحبوسة في علائق البدن وعوائقه، فإذا كان هذا وهي محبوسة في بدنها فكيف إذا تجردت وفارقته، واجتمعت فيها قواها وكانت في أصل شأنها روحا علية، زكية، كبيرة ذات همة عالية، فهذه لها بعد مفارقة البدن شأن آخر وفعل آخر. اهـ.
ونريد هنا التنبيه على شيء مهم، فإن بعض أسئلة الأخت السائلة ـ خاصة الأخيرة منها ـ تدل على أنها تفرق بين حياة القبر وحياة البرزخ، وليس الأمر كما تظن.
قال ابن القيم في كتاب (الروح): ينبغي أن يعلم أن عذاب القبر ونعيمه اسم لعذاب البرزخ ونعيمه، وهو ما بين الدنيا والآخرة؛ قال تعالى: {ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون}. وهذا البرزخ يشرف أهله فيه على الدنيا والآخرة، وسمي عذاب القبر ونعيمه، وأنه روضة أو حفرة نار باعتبار غالب الخلق، فالمصلوب، والحرق، والغرق، وأكيل السباع والطيور له من عذاب البرزخ ونعيمه قسطه الذي تقتضيه أعماله، وإن تنوعت أسباب النعيم والعذاب وكيفياتهما. اهـ.
وقال الدكتور عمر الأشقر في (القيامة الصغرى): يطلق على المرحلة التي يمر بها الإنسان بعد هذه الحياة الدنيا عدة أسماء، منها: القيامة الصغرى، والبرزخ، والموت ... وتسمى القيامة الصغرى أيضا بالمعاد الأول، كما تسمى البرزخ ... والبرزخ في الشريعة: الدار التي تعقب الموت إلى البعث. قال تعالى: (ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون) [المؤمنون: 100] . قال مجاهد: هو ما بين الموت والبعث، وقيل للشعبي: مات فلان ! قال: ليس هو في دار الدنيا ولا في الآخرة، هو في برزخ. اهـ.
والله أعلم.