السؤال
أنا شاب مسلم، تعرفت إلى شابة أوروبية منذ 8 سنوات تقريبا، والفتاة من عائلة في الأصل نصرانية، ولكنها لا تمت للكنيسة بصلة، فهم غير مطبقين بالمرة، حتى إن والدها يجهر بالكفر أحيانا، لكن - بفضل من الله - تمكنت من هداية البنت إلى الطريق السوي، واقتنعت بالإسلام دينا، وتركت جل المعاصي التي كانت عليها، من عدم إيمان بالله، إلى غير ذلك، وفي بادئ الأمر لم تستطع أن تطبق أركان الإسلام كاملة، كالصلاة، والصيام، فكنت محتارا في أمري, فهل أعتبرها مسلمة أم لا؟ وبمرور الوقت كانت العلاقة تنمو بيننا، إلى أن قررنا أن نتزوج، فاستشرت أبي، وأمي، وأخي الأكبر المتزوج، والأصغر غير المتزوج، فرفض والداي، ووافق أخواي، فاستفتيت بعض أهل الذكر، فأفادوني بأن إعانة مشركة على ترك الشرك، واعتناق الإسلام بتزوجها، وحمايتها من العودة إلى الشرك أولى من طاعة الوالدين في رفضهم لزواجي منها، فقررت بعد انقضاء العطلة عند والدي، والعودة إلى أوروبا للدراسة أن أستقدم البنت، وأصحبها إلى المركز الإسلامي لتعلن إسلامها أمام جميع الناس، بحضور شيخ المركز، وعقد الزواج عليها، فتم كل ذلك - بحمد الله - وحضر أخي، ونفر من زملائي عقد النكاح، لكنني أخفيت ذلك عن والدي، وطلبت من إخوتي أن لا يخبروهما بالأمر، ومرت أشهر والبنت - والحمد لله - في تقدم ملحوظ، لكني كل يوم أفكر في والدي، وأدخل في شك مما فعلت، فهل أنا عاق لوالدي؟ وهل لهما الحق في رفض زوجة اخترتها، ووافقت، ووافق أبوها، وتحققت بقية الشروط من مهر .. إلى غير ذلك؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله العلي القدير أن يرزقك رضا والديك، والذرية الصالحة, وبعد: فللوالدين على الولد حق السمع والطاعة في الأوامر والنواهي في المعروف، فالأصل لزوم طاعتهما واتباع أمرهما في الزواج، كما قررناه في الفتويين رقم: 3778، ورقم: 93194.
لكن أهل العلم لم يعتبروا كل مخالفة لأمر الوالدين في منعهما الابن من نكاح من يرغب في نكاحها عقوقا محرما، بل راعوا في ذلك الضوابط التي قرروها في شروط العقوق المحرم، والتي ذكرناها في الفتوى رقم: 76303، على التفصيل التالي.
فإذا حصل عليهما إيذاء لنكاحك الفتاة الأوروبية: فهذا عقوق محرم، كما بيناه في الفتوى رقم: 107907.
أما إذا لم يحصل عليهما إيذاء بذلك، وكان منعهما محض تحكم، وفرض رأي، دون مسوغ شرعي معتبر للمنع: فلا تكون مخالفتهما عقوقا، وهو ما بيناه في الفتويين رقم: 153915، ورقم: 105484، خاصة مع ما ذكرت من المصالح الشرعية في نكاحها، وكذلك إذا تضرر الابن بالمخالفة، لم يكن ذلك من العقوق المحرم، كما إذا خشيت على نفسك إن لم تتزوجها أن تفجر بها، كما قررناه في الفتوى رقم: 63267.
فلا بد من أخذ هذه الأمور بعين الاعتبار، سواء في النكاح ـ كما ذكرنا ـ أم في الطلاق، كما بيناه في الفتاوى التالية أرقامها: 3651، 1549.
فاحرص على بر والديك، فإن كل الخير، والبركة، والسعادة في برهما، ثم ليعلم السائل أن النصارى من الكفار، وأنه لا ولاية للكافر على المسلمة، وأن من شروط صحة النكاح عند الجمهور موافقة ولي أمر الزوجة، مع سائر شروط صحة النكاح المعتبرة شرعا.
وإذا كان شيخ المركز الإسلامي بمثابة القاضي لجماعة المسلمين في المدينة: فيقوم مقام وليها، كما فصلناه في الفتويين رقم: 102872، ورقم: 162113.
والله أعلم.