الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله العلي القدير أن يصلح ذات بينكم، وأن يؤلف بين قلوبكم، أما سؤالك عما إن كنت آثما بسبب خطئك في حق خالك: فجوابه أنك إن لم تتعمد الإساءة، فإنه لا إثم عليك، لقول الله تعالى: وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما {الأحزاب:5}.
وأما إن كنت عالما عامدا فأنت آثم لتقصيرك في حق الله، وفي حق خالك، وارتفاع إثمك يتوقف على أمرين:
1ـ قبول الله لتوبتك؛ لأنك قد عصيته، قال الموفق في مختصر منهاج ابن الجوزي: وأما مظالم العباد، ففيها أيضا معصية الله تعالى؛ لأنه نهى عن ظلم العباد، فالظالم لهم قد ارتكب نهيه تعالى.
2ـ إبراء خالك من حقه والاستحلال، وطلب العفو سبب لذلك، والمقصود تحصيل البراءة، جاء في الموسوعة الفقهية: ذكر أكثر الفقهاء والمفسرين أن للتوبة أربعة شروط: الإقلاع عن المعصية حالا، والندم على فعلها في الماضي، والعزم عزما جازما أن لا يعود إلى مثلها أبدا، وإن كانت المعصية تتعلق بحق آدمي، فيشترط فيها رد المظالم إلى أهلها، أو تحصيل البراءة منهم.
وظاهر كلام المحققين أن أمرك دائر بين أن يبرئك المظلوم من حقه في الدنيا، وبين أن تعوضه من حسناتك في الآخرة؛ ولذلك نوصيك بعدم اليأس في طلب العفو، والاستمرار في الإحسان إلى الخال، فإنك بذلك تصل رحمك الواجب صلتها، وتسعى في فكاكك من حقه عليك، فإن أمر الدنيا أهون من أمر الآخرة، قال الإمام الغزالي في الإحياء: ومهما ذكر جنايته، وعرفه المجني عليه، فلم تسمح نفسه بالاستحلال، بقيت المظلمة عليه، فإن هذا حقه، فعليه أن يتلطف به، ويسعى في مهماته وأغراضه، ويظهر من حبه، والشفقة عليه ما يستميل به قلبه، فإن الإنسان عبد الإحسان، وكل من نفر بسيئة مال بحسنة، فإذا طاب قلبه بكثرة تودده، وتلطفه سمحت نفسه بالإحلال، فإن أبى إلا الإصرار فيكون تلطفه به واعتذاره إليه من جملة حسناته التي يمكن أن يجبر بها في القيامة جنايته. اهـ.
ومن ذلك أيضا ما ذكره أهل العلم من كثرة الاستغفار له، والدعاء، وسؤال الله أن يرضيه عنك، إلى غير ذلك من صور الإحسان، فإذا فعلت ذلك فنرجو أن يتقبل الله توبتك، وأن يبرئك خالك من حقه، فإن الله يقبل التوبة، ويجيب الداعي، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها، ويستحب لخالك العفو، وأدلة العفو متوافرة في الكتاب والسنة، جاء في الموسوعة الفقهية: يختلف الحكم التكليفي للعفو باختلاف ما يتعلق به الحق، فإن كان الحق خالصا للعبد، فإنه يستحب العفو عنه.
ولكنه لا يجب عليه؛ لأنه حقه، ولم تطب نفسه به، والعفو من شيم الكرام، وفي بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية، نقل الخادمي عن الطيبي قول الشافعي: من استغضب فلم يغضب، فهو حمار، ومن استرضي فلم يرض، فهو شيطان جبار. وراجع فتوانا رقم: 48026.
وأما أمك وخالتك: فمحسنتان لامتثالهما أمر ربهما جل وعلا: فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين {الأنفال:1}.
فلا وجه لتأثيمهما لذلك، فما على المحسنين من سبيل، لكنهما تأثمان لقطيعة رحم أخيهما، فإن رفض أخيهما قبول الاعتذار لا يبيح لهما قطيعته، كما أن سعيهما في الإصلاح لا يبيح له قطيعتهما، فهو شريكهما في الإثم في ذلك، كما أن قطيعة أحدهما لا تبيح للآخر ترك صلته، فليست الصلة بالمقايضة، بل بصلة القاطع، فعن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها. رواه البخاري.
والأخوة من رحم المحرمية التي يجب وصلها اتفقا، وقطعها كبيرة من الكبائر، فعن جبير بن مطعم ـ رضي الله عنه ـ أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا يدخل الجنة قاطع. رواه البخاري ومسلم.
فإذا تبين ما سبق: عرفت أن الحق على الآثم، وأن إثم القطيعة على القاطع، وإثم الخطيئة على المخطئ، فعليك أن تسعى في إصلاح ذات البين، وصلة الرحم بين الأشقاء، وكسب ود خالك، قال الله تعالى: فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم * أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم {محمد:22 ـ 23}.
والله أعلم.