السؤال
والدتي متوفاة، ومكثت سنتين عند خالتي في بيتها؛ لكي أرعاها، فقد قامت هي أيضا برعايتي أنا وأخواتي، وعندما ذهبت لبيت أختي، ذهبت أنا أيضا، فما حكم الكلام عن خالتي التي آذتني كثيرا؟ رغم عنايتي بها من قبل، وبعد ذلك آذتني كثيرا عندما ذهبت إلى بيت أختي المتزوجة من ابنها، وقمت بالتحدث عن ذلك كثيرا لأخواتي، فقد أحسست بالذنب، وأقلعت عن ذلك، ولكني ما زلت أحس بكره تجاهها، وكلما تحدثت معها في أمور اعتيادية، تذكرت ما فعلت بي، وزاد كرهي، وأني تحدثت لأخواتي الأخريات عن ما فعلت بي، رغم إحساني لها، فهن لا يعرفن عن ذلك، ولا يتوقعن منها ذلك، فأرشدوني كيف تكون علاقتي بها؟ علما أني سأذهب إلى بيت أختي مرة أخرى، ووالله إني أحيانا أشعر أني سأموت قهرا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن الخالة من الرحم التي تجب صلتها، وتحرم قطيعتها باتفاق العلماء، وإساءتها لك، لا تبيح قطيعتها، ولا تسقط حقها عليك في الصلة؛ لأن صلة الرحم ليست من باب المكافأة؛ قال صلى الله عليه وسلم: ليس الواصل بالمكافئ، إنما الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها. أخرجه البخاري.
وعليك بالصبر على إساءة خالتك إن حصلت، والعفو عما سلف منها، واحتساب أجر ذلك عند الله، واعلمي أن من وصل ذوي رحمه المسيئين، فإن الله عز وجل يعينه عليهم، ويكفيه إياهم؛ فعن أبي هريرة أن رجلا قال: يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم، ويقطعوني، وأحسن إليهم، ويسيؤون إلي، وأحلم عنهم، ويجهلون علي، فقال: لئن كنت كما قلت، فكأنما تسفهم المل, ولا يزال معك من الله ظهير عليهم، ما دمت على ذلك. أخرجه مسلم.
وأما كلامك عن خالتك: فإن كان في غيابها، وبما تكرهه، فهو من الغيبة، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ذكرك أخاك بما يكره قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول، فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته. أخرجه مسلم.
قال النووي: فأما الغيبة: فهي ذكرك الإنسان بما فيه مما يكره، سواء كان في بدنه، أو دينه، أو دنياه، أو نفسه، أو خلقه، أو خلقه، أو ماله، أو ولده، أو والده، أو زوجه، أو خادمه، أو مملوكه، أو عمامته، أو ثوبه، أو مشيته، وحركته، وبشاشته، وخلاعته، وعبوسه، وطلاقته، أو غير ذلك مما يتعلق به، سواء ذكرته بلفظك، أو كتابك، أو رمزت، أو أشرت إليه بعينك، أو يدك، أو رأسك، أو نحو ذلك. اهـ. من الأذكار.
لكن إن كانت قد ظلمتك بشيء، وكان كلامك في ذكر ظلامتك تلك، فهذه من الأحوال التي تباح فيها الغيبة؛ لقوله تعالى: لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم وكان الله سميعا عليما {النساء:148}.
قال الطبري: لا يحب الله، أيها الناس، أن يجهر أحد لأحد بالسوء من القول "إلا من ظلم"، بمعنى: إلا من ظلم، فلا حرج عليه أن يخبر بما أسيء إليه, وإذا كان ذلك معناه, دخل فيه إخبار من لم يقر، أو أسيء قراه, أو نيل بظلم في نفسه، أو ماله عنوة من سائر الناس, وكذلك دعاؤه على من ناله بظلم؛ أن ينصره الله عليه؛ لأن في دعائه عليه إعلاما منه لمن سمع دعاءه عليه بالسوء له. اهـ.
وانظري للفائدة الفتوى رقم: 163457، والفتوى رقم: 6710 .
والله أعلم.