السؤال
ما معنى قول العلماء بأن القرآن الكريم قد كتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ (أعني علماء التجويد) فيقولون -مثلا- إن كلمة (تأمننا) في سورة يوسف كتبت بسن واحدة (تأمنا). فما مغزى هذا الحديث، ونحن نعلم أن رسول الله لا يقرأ ولا يكتب؟ فماذا يعنون بهذا الاستدلال؟ وهل أخطأت في سؤالي هذا؟
أفيدونا، وجزاكم الله كل خير.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد أنزل القرآن على النبي -صلى الله عليه وسلم- فكانت همته متوجهة إلى حفظ القرآن الكريم، ومن ثم تبليغه للناس على مكث ليحفظوه ويتعظوا بما فيه. قال تعالى: هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين [الجمعة:2].
قال الزرقاني في مناهل العرفان 1/167 : ومن شأن الأمي أن يعول على حافظته فيما يهمه أمره ويعنيه استحضاره وجمعه، خصوصا إذا أوتي من قوة الحفظ والاستظهار ما ييسر له هذا الجمع والاستحضار، وكذلك كانت الأمة العربية على عهد نزول القرآن وهي متمتعة بخصائص العروبة الكاملة التي منها سرعة الحفظ وسيلان الأذهان، حتى كانت قلوبهم أناجيلهم، وعقولهم سجلات أنسابهم وأيامهم، وحوافظهم دواوين أشعارهم ومفاخرهم، ثم جاء القرآن فبهرهم بقوة بيانه وأخذ عليهم مشاعرهم بسطوة سلطانه واستأثر بكريم مواهبهم في لفظه ومعناه، فخلعوا عليه حياتهم حين علموا أنه روح الحياة، أما النبي فبلغ من حرصه على استظهار القرآن وحفظه أنه كان يحرك لسانه فيه في أشد حالات حرجه وشدته، وهو يعاني ما يعانيه من الوحي وسطوته وجبريل في هبوطه عليه بقوته، يفعل الرسول -صلى الله عليه وسلم- كل ذلك استعجالا لحفظه وجمعه في قلبه مخافة أن تفوته كلمة أو يفلت منه حرف.
ومازال كذلك حتى طمأنه ربه بأن وعده أن يجمعه له في صدره، وأن يسهل له قراءة لفظه وفهم معناه، فقال له في سورة القيامة: لا تحرك به لسانك لتعجل به * إن علينا جمعه وقرآنه * فإذا قرأناه فاتبع قرآنه * ثم إن علينا بيانه [القيامة:16 - 19]. وقال في سورة طه: ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل رب زدني علما [طـه:114]. ومن هنا كان جامع القرآن في قلبه الشريف وسيد الحفاظ في عصره المنيف. انتهى.
ولذا فالمقصود بقول بعض أهل العلم: كتب القرآن بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أي كتبه كتاب الوحي بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهذا أمر معلوم مشهور، وكتب علوم القرآن مليئة بذكر ذلك، وانظر الفتاوى التالية: 18871، 23386، 15858.
وأما كون النبي -صلى الله عليه وسلم- أميا لا يقرأ ولا يكتب، فلا إشكال في ذلك؛ لأنهم كانوا يكتبون ثم يعرضون عليه ما كتبوا قراءة، وكان يعلمهم سور القرآن سورة سورة، ويتلوها عليهم في الصلاة، وفي المواعظ والخطب، وغير ذلك، ويسمع منهم مرات ومرات.
وبذلك وردت الآثار المستفيضة والأحاديث المتواترة، ولم ينقل القرآن فرد عن فرد ولا جماعة عن جماعة، بل أمة عن أمة، آلاف عن آلاف، وهو في صدورهم جميعا لا يختلفون فيه في حرف، حفظه الصحابة فمن بعدهم جيلا بعد جيل، على ترتيبه الذي بين أيدينا اليوم، وشاع ذلك وذاع وملأ البقاع والأسماع، يتدارسونه فيما بينهم ويقرؤونه في صلاتهم، ويأخذه بعضهم عن بعض ويسمعه بعضهم من بعض.
والله أعلم.