تعليل تعظيم الوصية ببر الوالدين وحدود طاعتهما

0 220

السؤال

أمي لا تعينني على برها وتفعل أشياء تستفزني، فما علة كون بر الوالدين معظم بدرجة عظيمة دون منتهى؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد بين الله تعالى عظم درجة بر الوالدين، فقال تعالى: ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير {لقمان:14}.

قال الشيخ ‏السعدي: ثم ذكر السبب الموجب لبر الوالدين في الأم، فقال: حملته أمه وهنا على وهن ـ أي: ‏مشقة على مشقة، فلا ‏تزال تلاقي المشاق، من حين يكون نطفة، من الوحم، والمرض، ‏والضعف، والثقل، وتغير الحال، ثم وجع الولادة، ‏ذلك الوجع الشديد، ‏ثم: فصاله في عامين ـ وهو ملازم لحضانة أمه وكفالتها ورضاعها، أفما يحسن بمن تحمل ‏على ‏ولده هذه الشدائد، مع شدة الحب، أن يؤكد على ولده، ويوصي إليه بتمام الإحسان إليه؟. اهـ.

وقد نبه الطاهر ابن عاشور أن الآية دلت بالاقتضاء على سبب عظم درجة بر الأب أيضا فقال: وإنما وقع ‏تعليل الوصاية بالوالدين بذكر أحوال خاصة بأحدهما وهي الأم اكتفاء بأن تلك ‏الحالة تقتضي الوصاية بالأب أيضا ‏للقياس، فإن الأب يلاقي مشاق وتعبا في القيام على الأم لتتمكن ‏من الشغل بالطفل في مدة حضانته، ثم هو يتولى ‏تربيته والذب عنه حتى يبلغ أشده ويستغني عن ‏الإسعاف، كما قال تعالى: وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا { الإسراء: 24} فجمعهما في ‏التربية في حال الصغر مما يرجع إلى حفظه وإكمال نشأته، فلما ذكرت هنا الحالة ‏التي تقتضي ‏البر بالأم من الحمل والإرضاع كانت منبهة إلى ما للأب من حالة تقتضي البر به على حساب ‏ما ‏تقتضيه تلك العلة في كليهما قوة وضعفا. اهـ.  

وأما كون برهما ليس له ليس منتهى فليس صحيحا، بل هو مقيد بالمعروف، فلا طاعة للوالدين في معصية ‏الله تعالى، ولا طاعة لهما فيما نشأ عن مجرد حمق، قال النبي صلى الله عليه وسلم: إنما الطاعة في المعروف. متفق عليه.

قال السعدي في هذا الحديث: هذا ‏الحديث قيد في كل من تجب طاعته من الولاة والوالدين والزوج ‏وغيرهم، فإن الشارع أمر بطاعة ‏هؤلاء، وكل منهم طاعته فيما يناسب حاله، وكلها بالمعروف، فإن الشارع رد ‏الناس ـ في كثير ‏مما أمرهم به ـ إلى العرف والعادة، كالبر والصلة والعدل والإحسان العام، فكذلك طاعة ‏من ‏تجب طاعته، وكلها تقيد بهذا القيد، وأن من أمر منهم بمعصية الله ـ بفعل محرم أو ترك ‏واجب ـ فلا طاعة ‏لمخلوق في معصية الله. ‏اهـ. ‏

وقال العلامة ابن حجر الهيتمي رحمه الله تعالى:... وحيث نشأ أمر الوالد أو نهيه عن مجرد الحمق لم يلتفت إليه أخذا مما ذكره الأئمة في أمره لولده بطلاق زوجته، وكذا يقال في إرادة الولد لنحو الزهد ومنع الوالد له أن ذلك إن كان لمجرد شفقة الأبوة فهو حمق وغباوة فلا يلتفت له الولد في ذلك، وأمره لولد بفعل مباح لا مشقة على الولد فيه يتعين على الولد امتثال أمره إن تأذى أذى ليس بالهين إن لم يمتثل أمره، ومحله أيضا حيث لم يقطع كل عاقل بأن ذلك من الأب مجرد حمق وقلة عقل لأني أقيد حل بعض المتأخرين للعقوق بأن يفعل مع والده ما يتأذى به إيذاء ليس بالهين بما إذا كان قد يعذر عرفا بتأذيه به، أما إذا كان تأذيه به لا يعذره أحد به لإطباقهم على أنه إنما نشأ عن سوء خلق وحدة حمق وقلة عقل فلا أثر لذلك التأذي... اهـ.

وتجدر الإشارة إلى أن الأم إذا لم تعن ابنها على برها أو كانت تستفزه، فإن هذا لا ينقص من وجوب برها شيئا، فإن حق الوالدين أعظم ‏من أن ينقص من قدره شيء بإساءتهما، وهو ما أوضحناه ضمن الفتوى رقم: ‏255355‏.‏

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة